الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعنه: كله، ويستسعى
(1)
العبد في بقيته، نصره في «الانتصار» ، واختاره أبو محمد الجوزي وشيخنا في كونه قبل أدائها، كحر أو معتق بعضه) [الفروع 5/ 85 (8/ 108 - 10
9)]
(2)
.
936 -
إذا استكره عبده المملوك أو أمة غيره على الفاحشة:
- قال ابن القيم: (
…
ونظير هذا الظن الكاذب والغلط الفاحش، ظن كثير من الجهال: أن الفاحشة بالمملوك كالمباحة، أو مباحة، أو أنها أيسر من ارتكابها من الحر، وتأولت هذه الفرقة القرآن على ذلك، وأدخلت المملوك في قوله:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] حتى إن بعض النساء لتمكن عبدها من نفسها، وتتأول القرآن على ذلك، كما رفع إلى عمر بن الخطاب امرأة تزوجت عبدها، وتأولت هذه الآية، ففرق عمر رضي الله عنه بينهما، وأدبها، وقال: ويحك، إنما هذا للرجال لا للنساء.
ومن تأول هذه الآية على وطء الذكران من المماليك= فهو كافر باتفاق الأمة.
قال شيخنا: ومن هؤلاء من يتأول قوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] على ذلك، قال: وقد سألني بعض الناس عن هذه الآية، وكان ممن يقرأ القرآن، فظن أن معناها في إباحة ذكران العبيد المؤمنين.
(1)
نقل ابن قندس في «حاشيته على الفروع» كلاما طويلا عن «شرح مختصر الخرقي» للزركشي حول هذه المسألة.
(2)
«الاختيارات» للبعلي (287).
قال: ومنهم من يجعل ذلك مسألة نزاع، يبيحه بعض العلماء، ويحرمه بعضهم، ويقول: اختلافهم شبهة! وهذا كذب وجهل، فإنه ليس في فرق الأمة من يبيح ذلك، بل ولا في دين من أديان الرسل، وإنما يبيحه زنادقة العالم، الذين لا يؤمنون بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر.
قال: ومنهم من يقول: هو مباح للضرورة، مثل: أن يبقى الرجل أربعين يومًا لا يجامع، إلى أمثال هذه الأمور التي خاطبني فيها وسألني عنها طوائف من الجند والعامة والفقراء.
قال: ومنهم من قد بلغه خلاف بعض العلماء في وجوب الحد فيه، فظن أن ذلك خلاف في التحريم، ولم يعلم أن الشيء قد يكون من أعظم المحرمات: كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، وليس فيه حد مقدر، ثم ذلك الخلاف: قد يكون قولًا ضعيفًا، فيتولد من ذلك القول الضعيف الذي هو من خطأ بعض المجتهدين، وهذا الظن الفاسد الذي هو خطأ بعض الجاهلين: تبديل الدين، وطاعة الشيطان، ومعصية رب العالمين، فإذا انضافت الأقوال الباطلة إلى الظنون الكاذبة، وأعانتها الأهواء الغالبة فلا تسأل عن تبديل الدين بعد ذلك، والخروج عن جملة الشرائع بالكلية.
ولما سهل هذا الأمر في نفوس كثير من الناس صار كثير من المماليك يتمدح: بأنه لا يعرف غير سيده، وأنه لم يطأه سواه، كما تتمدح الأمة والمرأة: بأنها لا تعرف غير سيدها وزوجها، وكذلك كثير من المردان: يتمدح بأنه لا يعرف غير خدينه وصديقه، أو مؤاخيه، أو معلمه، وكذلك كثير من الفاعلين: يتمدح بأنه عفيف عما سوى خدنه، الذي هو قرينه وعشيره كالزوجة، أو عما سوى مملوكه، الذي هو كسريته.
ومنهم من يرى أن التحريم: إنما هو إكراه الصبي على فعل الفاحشة، فإذا كان مختارًا راضيًا: لم يكن بذلك بأس، فكأن المحرم عنده من ذلك: إنما هو الظلم والعدوان بإكراه المفعول به.
قال شيخنا: وحكى لي من أثق به: أن بعض هؤلاء أخذ على هذه الفاحشة، فحكم عليه بالحد، فقال: والله، هو ارتضى بذلك، وما أكرهته، ولا غصبته، فكيف أعاقب؟ فقال نصير المشركين ــ وكان حاضرًا ــ: هذا حكم محمد بن عبد الله، وليس لهؤلاء ذنب) [إغاثة اللهفان 2/ 204 ــ 206].
- وقال أيضًا: (ومما قيل: إنه من أبعد الأحاديث عن القياس: حديث الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وقع على جارية امرأته: إن كان استكرهها فهي حرة، وعليه لسيدتها مثلها، وإن كانت طاوعته فهي له، وعليه لسيدتها مثلها. وفي رواية أخرى: وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها. رواه أهل السنن، وضعَّفه بعضهم من قبل إسناده، وهو حديث حسن، يحتجون بما هو دونه في القوة، ولكن لإشكاله أقدموا على تضعيفه، مع لين في سنده.
قال شيخ الإسلام: وهذا الحديث يستقيم على القياس، مع ثلاثة أصول صحيحة، كل منها قول طائفة من الفقهاء:
أحدها: أن من غير مال غيره، بحيث فوت مقصوده عليه= فله أن يضمنه بمثله، وهذا كما لو تصرف في المغصوب بما أزال اسمه، ففيه ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره:
أحدها: أنه باق على ملك صاحبه، وعلى الغاصب ضمان النقص، ولا
شيء عليه
(1)
في الزيادة، كقول الشافعي.
والثاني: يملكه الغاصب بذلك، ويضمنه لصاحبه، كقول أبي حنيفة.
والثالث: يخير المالك بين أخذه وتضمين النقص، وبين المطالبة بالبدل، وهذا أعدل الأقوال وأقواها.
فإن فوت صفاته المعنوية، مثل أن ينسيه صناعته، أو يضعف قوته، أو يفسد عقله أو دينه، فهذا أيضا يخير المالك فيه: بين تضمين النقص، وبين المطالبة بالبدل، ولو قطع ذنب بغلة القاضي: فعند مالك: يضمنها بالبدل ويملكها، لتعذر مقصودها على المالك في العادة، أو يخير المالك.
الأصل الثاني: أن جميع المتلفات تضمن بالجنس بحسب الإمكان، مع مراعاة القيمة، حتى الحيوان، فإنه إذا اقترضه رد مثله، كما اقترض النبي صلى الله عليه وسلم بكرًا، ورد خيرا منه، وكذلك المغرور يضمن ولده بمثلهم، كما قضت به الصحابة، وهذا أحد القولين في مذهب أحمد وغيره، وقصة داود وسليمان عليهما السلام من هذا الباب، فإن الماشية كانت قد أتلفت حرث القوم، فقضى داود بالغنم لأصحاب الحرث، كأنه ضمنهم ذلك بالقيمة، ولم يكن لهم مال إلا الغنم، فأعطاهم الغنم بالقيمة، وأما سليمان: فحكم بأن أصحاب الماشية يقومون على الحرث حتى يعود كما كان، فضمنهم إياه بالمثل، وأعطاهم الماشية، يأخذون منفعتها عوضا عن المنفعة التي فاتت من غلة الحرث إلى أن يعود، وبذلك أفتى الزهري لعمر بن عبد العزيز فيمن أتلف له شجرا، فقال الزهري: يغرسه، حتى يعود كما كان، وقال ربيعة وأبو الزناد: عليه القيمة، فغلظ الزهري القول فيهما.
(1)
كذا، وفي «الفتاوى»:(له).
وقول الزهري وحكم سليمان هو موجب الأدلة، فإن الواجب: ضمان المتلف بالمثل بحسب الإمكان، كما قال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وقال:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وقال:{وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: 194]، وقال:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126].
وإن كان مثل الحيوان والآنية والثياب من كل وجه متعذرا، فقد دار الأمر بين شيئين: الضمان بالدراهم المخالفة للمثل في الجنس والصفة والمقصود والانتفاع، وإن ساوت المضمون في المالية؛ والضمان بالمثل ــ بحسب الإمكان
(1)
ــ المساوي للمتلف في الجنس والصفة والمالية والمقصود والانتفاع، ولا ريب أن هذا أقرب إلى النصوص والقياس والعدل.
ونظير هذا: ما ثبت بالسنة واتفاق الصحابة من القصاص في اللطمة والضربة، وهو منصوص أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد
…
وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة، حتى في المكيل والموزون، فما كان أقرب إلى المماثلة فهو أولى بالصواب، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة، فهذا هو القياس وموجب النصوص، وبالله التوفيق.
والأصل الثالث: أن من مثل بعبده عتق عليه، وهذا مذهب فقهاء الحديث، وقد جاءت بذلك آثار مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كعمر بن
(1)
في «الفتاوى» : (مع مراعاة القيمة بحسب الإمكان).
الخطاب وغيره.
فهذا الحديث موافق لهذه الأصول الثلاثة، الثابتة بالأدلة الموافقة للقياس العادل، فإذا طاوعته الجارية: فقد أفسدها على سيدتها، فإنها مع المطاوعة تنقص قيمتها، إذ تصير زانية، ولا تمكن سيدتها من استخدامها حق الخدمة، لغيرتها منها، وطمعها في السيد، واستشراف السيد إليها، وتتشامخ على سيدتها، فلا تطيعها كما كانت تطيعها قبل ذلك، والجاني إذا تصرف في المال بما ينقص قيمته= كان لصاحبه المطالبة بالمثل، فقضى الشارع لسيدتها بالمثل، وملكه الجارية، إذ لا يجمع لها بين العوض والمعوض، وأيضا: فلو رضيت سيدتها أن تبقى الجارية على ملكها، وتغرمه ما نقص من قيمتها= كان لها ذلك، فإذا لم ترض، وعلمت أن الأمة قد فسدت عليها، ولم تنتفع بخدمتها كما كانت قبل ذلك= كان من أحسن القضاء: أن يغرم السيد مثلها، ويملكها.
فإن قيل: فاطردوا هذا القياس، وقولوا: إن الأجنبي إذا زنى بجارية قوم حتى أفسدها عليهم أن لهم القيمة، أو يطالبوه ببدلها.
قيل: نعم، هذا موجب القياس، إن لم يكن بين الصورتين فرق مؤثر، وإن كان بينهما فرق انقطع الإلحاق، فإن الإفساد الذي في وطء الزوج بجارية امرأته ــ بالنسبة إليها ــ أعظم من الإفساد الذي في وطء الأجنبي.
وبالجملة، فجواب هذا السؤال جواب مركب، إذ لا نص فيه، ولا إجماع.
فصل
وأما إذا استكرهها: فإن هذا من باب المثلة، فإن الإكراه على الوطء مثلة، فإن الوطء يجري مجرى الجناية، ولهذا لا يخلو عن عقر أو عقوبة، ولا يجري مجرى منفعة الخدمة، فهي لما صارت له بإفسادها على سيدتها= أوجب عليه مثلها، كما في المطاوعة، وأعتقها عليه لكونه مثل بها.
قال شيخنا: ولو استكره عبده على الفاحشة عتق عليه، ولو استكره أمة الغير على الفاحشة عتقت عليه، وضمنها بمثلها، إلا أن يفرق بين أمة امرأته وبين غيرها، فإن كان بينهما فرق شرعي، وإلا فموجب القياس التسوية.
وأما قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] فهذا نهي عن إكراههن على كسب المال بالبغاء، كما قيل: إن عبد الله بن أُبي ــ رأس المنافقين ــ كان له إماء يكرههن على البغاء، وليس هذا استكراها للأمة على أن يزني بها هو، فإن هذا بمنزلة التمثيل بها، وذاك إلزام لها بأن تذهب هي فتزني.
مع أنه يمكن أن يقال: العتق بالمثلة لم يكن مشروعًا عند نزول الآية، ثم شرع بعد ذلك.
قال شيخنا: والكلام على هذا الحديث من أدق الأمور، فإن كان ثابتا: فهذا الذي ظهر في توجيهه، وإن لم يكن ثابتا: فلا يحتاج إلى الكلام عليه.
قال: وما عرفت حديثًا صحيحًا، إلا ويمكن تخريجه على الأصول الثابتة.