الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الآية نصفها منسوخ، فالمنسوخ قوله تعالى:{وأعرض عن المشركين} نُسِخ بآية السيف
(1)
. (ز)
40698 -
قال مقاتل بن سليمان: ثم نَسَخَتْها آيةُ السيف
(2)
. (ز)
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ
(95)}
نزول الآية، وتفسيرها:
40699 -
عن أنس بن مالك، قال: مرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أُناس بمكة، فجعلوا يغمِزون في قفاه، ويقولون: هذا الذي يزعُمُ أنّه نبيٌّ ومعه جبريل؟! فغمز جبريل بإصبَعِه، فوقع مثل الظُّفر في أجسادِهم، فصارت قروحًا حتى نتُنُوا
(3)
، فلم يستطِع أحدٌ أن يدنو منهم؛ فأنزل الله:{إنا كفيناك المستهزئين}
(4)
. (8/ 661)
40700 -
عن علي بن أبي طالب، في قوله:{إنا كفيناك المستهزئين} ، قال: خمسة مِن قريش، كانوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: الحارث بن غيطلة، والعاصي بن وائل، والأسود بن عبد يغوث، والوليد بن المغيرة
(5)
. (8/ 661)
40701 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق جُوَيْبِر، عن الضحاك-: أنّ الوليد بن المغيرة قال: إنّ محمدًا كاهن؛ يُخبِر بما يكون قبل أن يكون. فقال أبو جهل: محمد ساحِر؛ يُفرِّق بين الأب والابن. وقال عقبة بن أبي مُعيط: محمد مجنون؛ يهذي في جُنونه. وقال أُبَيّ بن خلف: محمد كذّاب. فأنزل الله: {إنا كفيناك المستهزئين} : القتل ببدر
(6)
. (8/ 660)
40702 -
عن عبد الله بن عباس، قال:{المستهزئين} : منهم الوليد بن المغيرة،
(1)
الناسخ والمنسوخ للزهري ص 30 - 31.
(2)
تفسير مقاتل بن سليمان 4/ 437 - 440.
(3)
أنتَن: صارت رائحته كريهة. اللسان (نتن).
(4)
أخرجه البزار في مسنده 13/ 519 (7368)، والطبراني في الأوسط 7/ 150 - 151 (7127) واللفظ له.
قال البزار: «ولا نعلم أسند يزيد بن درهم عن أنس إلا هذا الحديث، ولا نعلم رواه عن أنس غيره» . وقال الطبراني: «لم يروِ هذا الحديثَ عن أنس إلا يزيد بن درهم، تفرَّد به محمد بن عثمان القرشي» . وقال الهيثمي في المجمع 6/ 46 (11112): «فيه يزيد بن درهم، ضعَّفه ابن معين، ووَثَّقه الفلاس» .
(5)
عزاه السيوطي إلى ابن مردويه -كما في تخريج الكشاف 2/ 221 - .
(6)
عزاه السيوطي إلى ابن مردويه، وأبي نعيم في الدلائل.
إسناده ضعيف جدًّا. وينظر: مقدمة الموسوعة.
والعاص بن وائل، والحارث بن قيس، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، وأبو هبّار بن الأسود
(1)
. (8/ 661)
40703 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق عمرو بن دينار-: أنّ المستهزئين ثمانية: الوليد بن المغيرة، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يَغُوث، والعاصي بن وائل، والحارث بن عدي بن سهم، وعبد العُزّى بن قصي، وهو أبو زمعة، وكلهم هلك قبل بدر بموت أو مرض، والحارث بن قيس من الغياطِل
(2)
(3)
. (8/ 661)
40704 -
عن عبد الله بن عباس، في قوله:{إنا كفيناك المستهزئين} ، قال: قد سُلِّط عليهم جبريل، وأمَرتُه بقتلهم؛ فعرض للوليد بن المغيرة، فعَثِر به، فعصَره عن نصل في رجلِه حتى خرج رَجِيعُه مِن أنفه، وعرض للأسود بن عبد العُزّى وهو يشرب ماء، فنفخ في ذلك حتى انتفخ جوفُه، فانشَقَّ، واعترض للعاص بن وائل وهو مُتَوَجِّه إلى الطائف، فنخَسه بشِبْرِقة
(4)
، فجرى سُمُّها إلى رأسه، وقَتَل الحارث بن قيس بلَكْزَة، فما زال يفُوق
(5)
حتى مات، وقَتَل الأسود بن عبد يغوث الزُّهري
(6)
. (8/ 659)
40705 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- في قوله: {إنا كفيناك المستهزئين} ، قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والحارث بن غَيْطَلَة السهمي، والعاصي بن وائل، فأتاه جبريل، فشكاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراه الوليد، فأومَأ جبريل إلى أبجَلِه
(7)
، فقال:«ما صنعتَ شيئًا» . قال: كفَيتُكَه. ثم أراه الأسود بن عبد يغوث، فأومَأ إلى رأسه، فقال:«ما صنعتَ شيئًا» . قال: كفيتُكَه. ثم أراه الحارث، فأومَأ إلى بطنه فقال:«ما صنعتَ شيئًا» . فقال: كفيتُكه. ثم أراه العاصي بن وائل، فأومَأ إلى أخمَصِه، فقال:«ما صنعتَ شيئًا» . فقال: كفيتُكه. فأمّا الوليد فمرَّ برجل مِن خزاعة
(1)
عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.
(2)
الغياطِل: ينسبون إلى أُمِّهم الغَيْطَلة بنت مالك بن الحارث من بني كِنانة. نسب قريش لمصعب الزبيري (ص 401).
(3)
أخرجه ابن جرير 14/ 153. وعزاه السيوطي إلى الطبراني، وابن مردويه.
(4)
الشِّبْرِق: نبات حجازي يؤكل وله شوك، وإذا يبس سُمي: الضَّرِيع. النهاية (شبرق).
(5)
الفُواق: ترديد الشهقة العالية، وما يأخذ الإنسان عند النّزْع. اللسان (فوق).
(6)
عزاه السيوطي إلى أبي نعيم في الدلائل.
ذكر أنهما بسندين ضعيفين.
(7)
الأبجل: عِرق غليظ في الرِّجل، وقيل: هو عرق في باطن مفصل الساق في المأبِض. اللسان (بجل).
وهو يَرِيشُ نَبلًا، فأصاب أبْجَلَه، فقطعها، وأَمّا الأسود بن المطلب فنزل تحت سَمُرة
(1)
، فجعل يقول: يا بُنَيَّ، ألا تدفعون عَنِّي؟ قد هلكت؛ أُطعَنُ بالشوك في عيني. فجعلوا يقولون: ما نرى شيئًا. فلم يزل كذلك حتى عمِيَتْ عيناه، وأَمّا الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح، فمات منها، وأَمّا الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه، حتى خرج خُرْؤُه مِن فيه، فمات منه، وأَمّا العاصي فركب إلى الطائف، فربَض على شِبْرِقة، فدخل مِن أخمَصِ قدمِه شوكة، فقتلته
(2)
. (8/ 659)
40706 -
عن عبد الله بن عباس -من طريق السدي الصغير، عن الكلبي، عن أبي صالح- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِيًا سنين، لا يُظهِر شيئًا مِمّا أنزل الله، حتى نزلت:{فاصدع بما تؤمر} . يعني: أظهِر أمرَك بمكة، فقد أهلك الله المستهزئين بك وبالقرآن، وهم خمسة رهط، فأتاه جبريل بهذه الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أُراهم أحياء بعدُ كلَّهم!» . فأُهلِكوا في يوم واحد وليلة؛ منهم العاصي بن وائل السهمي، خرج في يومه ذلك في يوم مَطِير، فخرج على راحلته يسير، وابن له يتَنَزَّه ويتَغَدّى، فنزل شِعبًا مِن تلك الشِّعاب، فلمّا وضع قدمه على الأرض قال: لُدِغت. فطلَبوا فلم يجدوا شيئًا، وانتفخت رجله حتى صارت مثل عُنُق البعير، فمات مكانه. ومنهم الحارث بن قيس السهمي، أكل حوتًا مالحًا، فأصابه غَلَبَة عَطَش، فلم يزل يشرب عليه مِن الماء حتى انقَدَّ بطنُه، فمات وهو يقول: قتلني ربُّ محمد. ومنهم الأسود بن المطلب، وكان له ابنٌ يقال له: زَمعَة. بالشام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا على الأب أن يَعْمى بصرُه، وأن يَثكَلَ ولدَه، فأتاه جبريل بورقة خضراء فرماه بها، فذهب بصره، وخرج يُلاقِي ابنه، ومعه غلام له، فأتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة، فجعل ينطح برأسه، ويضرب وجهه بالشَّوْك، فاستغاث بغلامه، فقال له غلامُه: لا أرى أحدًا يصنع بك شيئًا غير نفسك. حتى مات وهو يقول: قتلني ربُّ محمد. ومنهم الوليد بن المغيرة، مرَّ على نَبل لرجل مِن خُزاعة قد راشَها وجعلها في الشمس، فوطِئها، فانكسرت، فتعلَّق به سهمٌ منها، فأصاب أكحَلَه، فقتله. ومنهم
(1)
سَمُرة: واحدة السَّمُر وهو ضرب من شجر الطَّلْح. النهاية (سمر).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط (4986)، وأبو نعيم في الدلائل -كما في تخريج الكشاف 2/ 220 - وابن مردويه- كما في تخريج الكشاف 2/ 221 - ، والبيهقي في الدلائل 2/ 316، 318، والضياء في المختارة 10/ 96.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 47: «فيه محمد بن عبد الحليم، ولم أعرفه» .
الأسود بن عبد يغوث، خرج مِن أهله، فأصابه السَّموم، فاسْوَدَّ حتى عاد حَبَشِيًّا، فأتى أهله، فلم يعرفوه، فأغلقوا دونه الباب حتى مات، وهو يقول: قتلني ربُّ محمد. فقتلهم الله جميعًا، فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرَه، وأعلَنه بمكة
(1)
. (8/ 657)
40707 -
عن سعيد بن جبير -من طريق زياد- في قوله: {إنا كفيناك المستهزئين} ، قال: كان المستهزئون: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، [وأبا] زمعة، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن غَيْطَلَة، فأتاه جبرئيل، فأومأ بأصبعه إلى رأس الوليد، فقال:«ما صنعت شيئًا» . قال: كُفِيتَ. وأومأ بيده إلى أخمص العاص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما صنعت شيئًا» . فقال: كُفِيتَ. وأومأ بيده إلى عين أبي زمعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما صنعت شيئًا» . قال: كُفِيتَ. وأومأ بأصبعه إلى رأس الأسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«دع لي خالي» . فقال: كُفِيتَ. وأومأ بأصبعه إلى بطن الحارث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ما صنعت شيئًا» . فقال: كُفِيتَ. قال: فمَرَّ الوليد على قَيْنٍ
(2)
لخزاعة وهو يَجُرُّ ثيابه، فتعلَّقت بثوبه بَرْوة
(3)
أو شَرَرَة، وبين يديه نساء، فجعل يستحي أن يَطَأْمَن
(4)
ينتزعها، وجعلت تضرب ساقَه، فخدشته، فلم يزل مريضًا حتى مات. وركب العاص بن وائل بغلة له بيضاء إلى حاجةٍ له بأسفل مكة، فذهب ينزل، فوضع أخمص قدمه على شِبْرِقة، فحَكَّت رِجلَه، فلم يزل يحكها حتى مات. وعمي أبو زمعة، وأخذت الأَكَلَة في رأس الأسود، وأخذ الحارث الماء في بطنه
(5)
. (ز)
40708 -
عن عروة بن الزبير -من طريق ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان-: أنّ عظماء المستهزئين كانوا خمسة نفر مِن قومه، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم؛ من بني أسد بن عبد العُزّى بن قصي: الأسود بن المطلب أبو زمعة -وكان
(1)
أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة ص 270 - 271 (203).
قال ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 7/ 512 (1742): «محمد بن مروان الكوفي صاحب الكلبي، ويقال له: السدي الصغير
…
قال يحيى: السدي الصغير صاحب الكلبي محمد بن مروان مولى الخطابيين ليس بثقة
…
وقال البخاري: محمد بن مروان الكوفي سكتوا عنه
…
وقال السعدي: محمد بن مروان السدي ذاهب. وقال النسائي: محمد بن مروان الكوفي روى عن الكلبي، متروك الحديث».
(2)
القين: الحدّاد والصائغ. النهاية (قين).
(3)
البروة: حَلَقَة توضع في أنف البعير. اللسان (بري).
(4)
يطأمن: طَأْمَنَ وطَمْأَنَ بمعنى واحد. اللسان (طمن).
(5)
أخرجه ابن جرير 14/ 147.
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني قد دعا عليه؛ لِما كان يبلغه مِن أذاه واستهزائه، فقال:«اللهُمَّ، أعْمِ بصرَه، وأثكله ولده» - ومن بني زهرة: الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، ومن بني مخزوم: الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم، ومن بني سهم بن عمرو بن هُصَيص بن كعب بن لؤي: العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد بن سهم، ومن خزاعة: الحارث بن الطُّلاطِلة بن عمرو بن الحارث بن عمرو بن مَلْكان، فلمّا تَمادَوْا في الشَّرِّ، وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء؛ أنزل الله -تعالى ذِكْرُه-:{فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين. إنا كفيناك المستهزئين} إلى قوله: {فسوف يعلمون} . قال محمد بن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير أو غيره مِن العلماء: أنّ جبرئيل أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت، فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه، فمَرَّ به الأسودُ بن المطلب، فرمى في وجهه بورقة خضراء، فعمي، ومَرَّ به الأسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه، فاستسقى بطنُه، فمات منه حَبَنًا
(1)
. ومَرَّ به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جُرح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنتين، وهو يجر سَبَلَه -يعني: إزاره-، وذلك أنه مَرَّ برجل من خزاعة يَرِيش نَبْلًا له، فتَعَلَّق سهمٌ مِن نَبْلِه بإزاره، فخدش رجلَه ذلك الخدش، وليس بشيء، فانتقض به، فقتله. ومَرَّ به العاص بن وائل السهمي، فأشار إلى أخمص رجله، فخرج على حمار له يريد الطائف، فرَبَضَ على شِبْرِقة، فدخل في أخْمَصِ رجلِه منها شَوْكَة، فقتلته. ومَرَّ به الحارثُ بن الطُّلاطِلة، فأشار إلى رأسه، فامْتَخَضَ قيحًا، فقتله
(2)
. (ز)
40709 -
عن مجاهد بن جبر -من طريق شبل عن ابن أبي نجيح- {إنا كفيناك المستهزئين} : هم من قريش. =
40710 -
عن شبل: وزعم [القاسم] بن أبي بزَّة أنهم: العاص بن وائل السهمي، والوليد بن المغيرة الوحيد، والحارث بن عدي بن سهم ابن الغيطلة، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العُزّى بن قصي، وهو أبو زمعة، والأسود بن عبد يغوث، وهو ابن خال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(3)
. (ز)
(1)
الأحْبَن: الذي به السِّقْي في بطنه. اللسان (حبن).
(2)
أخرجه ابن جرير 14/ 146. وقال أثناءه: الشبرقة: المعروف بالحسك. منه حبَنًا، والحبَن: الماء الأصفر.
(3)
أخرجه ابن جرير 14/ 153.
40711 -
عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق عمرو بن دينار- في قوله: {إنا كفيناك المستهزئين} ، قال: هم خمسة كلهم هلك قبل بدر؛ العاصي بن وائل، والوليد بن المغيرة، وأبو زمعة بن الأسود، والحارث بن قيس ابن الغَيطلة، والأسود بن عبد يغوث
(1)
. (8/ 663)
40712 -
عن أبي بكر الهُذَلي، قال: قيل للزهري: إنّ سعيد بن جبير وعكرمة اختلفا في رجل مِن المستهزئين، فقال سعيد: الحارث ابن غيطلة. وقال عكرمة: الحارث بن قيس. فقال: صَدَقا جميعًا، كانت أمه تسمى: غيطلة، وكان أبوه: قيسًا
(2)
.
(8/ 664)
40713 -
عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحنى ظهر الأسود بن عبد يغوث حتى احْقَوْقَف
(3)
صدره، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«خالي، خالي» . فقال جبريل: دعه عنك، فقد كُفِيتُكَه، فهو مِن المستهزئين. قال: وكانوا يقولون: سورة البقرة! وسورة العنكبوت! يستهزئون بها
(4)
. (8/ 664)
40714 -
عن عكرمة مولى ابن عباس -من طريق مَعْمَر، عمَّن سمعه- يقول: مَكَثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة، منها أربع أو خمس يدعو إلى الإسلام سِرًّا وهو خائف، حتى بعث الله على الرجال الذين أنزل فيهم:{إنا كفيناك المستهزئين} ، {الذين جعلوا القرآن عضين}. والعضين بلسان قريش: السِّحر، فأمر بعدواتهم، فقال:{فاصدع بما تُؤمر وأعرض عن المشركين} . ثم أُمِر بالخروج إلى المدينة، فقَدِم في ثمان ليال خَلَوْن مِن شهر ربيع الأول، ثم كانت وقعة بدر، ففيهم أنزل الله:{وإذ يَعدكم الله إحدى الطآئفتين أنها لكم} [الأنفال: 5]. وفيهم نزلت: {سيهزم الجمع} [القمر: 45]. وفيهم نزلت: {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} [المؤمنون: 64]. وفيهم نزلت: {ليقطع طرفًا من الذين كفروا} [آل عمران: 127]. وفيهم نزلت: {ليس لك من الأمر شيء} [آل عمران: 128]. أراد اللهُ القومَ، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم العيرَ، وفيهم نزلت:{ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرًا} الآية [إبراهيم: 28]. وفيهم نزلت: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم} الآية [البقرة: 243]. وفيهم نزلت: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا} [آل عمران: 13]: في شأن العير، {والركب أسفل منكم} [الأنفال: 42]:
(1)
أخرجه عبد الرزاق 1/ 352، وابن عساكر 34/ 221.
(2)
أخرجه ابن جرير 14/ 149. وعزاه السيوطي إلى أبي نعيم.
(3)
احْقَوقَف: طال واعوجّ. اللسان (حقف).
(4)
عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
أخذوا أسفل الوادي، هذا كلُّه في أهل بدر، وكانت قبل بدر بشهرين سَرِيَّة، يوم قتل ابن الحضرمي، ثم كانت أحدٌ، ثم يوم الأحزاب بعد أُحد بسنتين، ثم كانت الحديبية، وهو يوم الشجرة، فصالحهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومئذ على أن يعتمِرَ في عام قابِل في هذا الشهر، ففيها أنزلت:{الشهر الحرام بالشهر الحرام} [البقرة: 149]. فشهر العام الأول بشهر العام الثاني، فكانت:{والحرمات قصاص} . ثم كان الفتح بعد العمرة، ففيها نزلت:{حتى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذاب شديد} الآية [المؤمنون: 77]. وذلك أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم غزاهم ولم يكونوا أعدُّوا له أُهْبَةَ القتال، ولقد قُتِل من قريش يومئذ أربعة رهط، من حلفائهم من بني بكر خمسين أو زيادة، وفيهم نزلت لما دخلوا في دين الله:{وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار} [المؤمنون: 78]. ثُمَّ خرج إلى حُنَين بعد عشرين ليلة، ثم إلى الطائف، ثم إلى المدينة، ثم أمَّر أبا بكر على الحج، ولما رجع أبو بكر من الحج غزا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تبوكًا، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم العام المقبل، ثم ودَّع الناس، ثم رجع فتُوفي في ليلتين خلتا مِن شهر ربيع
(1)
. (8/ 661)
40715 -
عن عامر الشعبي -من طريق حصين، وجابر- قال: المستهزئون سبعة، سمى منهم: العاصي بن وائل، والوليد بن المغيرة، وهبّارَ بن الأسود، وعبد يغوث بن وهب، والحارث ابن غَيْطَلَة
(2)
. (8/ 665)
40716 -
عن مقسم [بن بجرة]-من طريق معمر- =
40717 -
وقتادة بن دعامة، في قوله:{إنا كفيناك المستهزئين} ، قال: هم الوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وعَدِي بن قيس، والأسود بن عبد يَغُوث، والأسود بن المُطَّلب، مرُّوا رجلًا رجلًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل، فإذا مرَّ به رجلٌ منهم قال له جبريل: كيف تجد هذا؟ فيقول: «بئس عبد الله» . فيقول جبريل: كَفَيْناكَهُ. فأمّا الوليد فَتَردّى، فتعلَّق سهم بردائِه، فذهب يجلس، فقطع أكحله، فنَزَف حتى مات، وأمّا الأسود بن عبد يغوث فأُتِيَ بغصن فيه شوك، فضُرِب به وجهُه، فسالت حدَقَتاه على وجهِه، فمات، وأَمّا العاصي فوَطِئ على شوكة، فتساقط لحمه عن عظامه حتى هلك، وأَمّا الأسود بن المطلب وعَدِي بن قيس فأحدُهما قام مِن الليل وهو ظمآن ليشرب مِن جرة، فلم يزل يشرب حتى انفَتَقَ بطنُه، فمات، وأَمّا الآخر
(1)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9734).
(2)
أخرجه ابن جرير 14/ 149 بنحوه مع اختلاف في عددهم. وعزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور، وأبي نعيم.
فلدغته حيَّةٌ، فمات
(1)
. (8/ 665)
40718 -
عن قتادة بن دعامة، قال: هؤلاء رهط من قريش؛ منهم الأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والوليد بن المغيرة، والعاصي بن وائل، وعَدِيُّ بن قيس
(2)
. (8/ 665)
40719 -
عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- {كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين} : هم رهط خمسة من قريش، عَضَهُوا القرآن؛ زعم بعضُهم أنّه سِحْر، وزعم بعضُهم أنّه شِعْر، وزعم بعضهم أنّه أساطير الأولين؛ أما أحدهم فالأسود بن عبد يغوث، أتى على نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو عند البيت، فقال له الملَك: كيف تجد هذا؟ قال: «بئس عبد الله، على أنه خالي» . قال: كفيناك. ثم أتى عليه الوليد بن المغيرة، فقال له الملَك: كيف تجد هذا؟ قال: «بئس عبد الله» . قال: كفيناك. ثم أتى عليه عديُّ بن قيس أخو بني سهم، فقال الملك: كيف تجد هذا؟ قال: «بئس عبد الله» . قال: كَفَيْناك. ثم أتى عليه الأسود بن المطلب، فقال له الملك: كيف تجد هذا؟ قال: «بئس عبد الله» . قال: كفيناك. ثم أتى عليه العاص بن وائل، فقال له الملك: كيف تجد هذا. قال: «بئس عبد الله» . قال: كفيناك. فأمّا الأسود بن عبد يغوث فأُتِي بغصن مِن شوك، فضرب به وجهه، حتى سالت حدقتاه على وجهه، فكان بعد ذلك يقول: دعا عليَّ محمدٌ بدعوة، ودعوت عليه بأخرى، فاستجاب الله له فِيَّ، واستجاب الله لي فيه، دعا علي أن أثكل وأن أعمى، فكان كذلك، ودعوت عليه أن يصير شريدًا طريدًا، فطردناه مع يهود يثرب وسُرّاق الحجيج، وكان كذلك. وأما الوليد بن المغيرة فذهب يرتدي، فتعلق بردائه سَهْم غَرْب
(3)
، فأصاب أكحله أو أبجله، فأُتِي في كل ذلك، فمات. وأما العاص بن وائل فوطئ على شوكة، فأُتِي في ذلك؛ جعل يتساقط لحمُه عضوًا عضوًا، فمات وهو كذلك. وأما الأسود بن المطلب وعدي بن قيس فلا أدري ما أصابهما. ذُكِر لنا: أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر نهى أصحابَه عن قتل أبي البَخْتَري، وقال:«خذوه أخْذًا، فإنّه قد كان له بلاء» . فقال له أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا البختري، إنّا قد نُهِينا عن قتلك، فهلم إلى الأَمَنَة
(1)
أخرجه عبد الرزاق 1/ 351 - 352، وابن جرير 14/ 150 - 151. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي نعيم.
(2)
عزاه السيوطي إلى أبي نعيم في الدلائل.
(3)
سَهْم غَرْب: هو الذي لا يُعرف راميه. النهاية (غرب).
والأمان. فقال أبو البختري: وابن أخي معي. فقالوا: لم نُؤْمَر إلا بك. فراودوه ثلاث مرات، فأبى إلا وابن أخيه معه، قال: فأغلظ للنبي صلى الله عليه وسلم الكلام، فحمل عليه رجل مِن القوم، فطعنه، فقتله، فجاء قاتِلُه وكأنّما على ظهره جَبَلٌ أوثقه مخافة أن يلومه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلما أخبر بقوله قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أبْعَدَه اللهُ، وأَسْحَقَه» . وهم المستهزئون الذين قال الله: {إنا كفيناك المستهزئين} ، وهم الخمسة الذين قيل فيهم:{إنا كفيناك المستهزئين} استهزءوا بكتاب الله، ونبيه صلى الله عليه وسلم
(1)
. (ز)
40720 -
عن الربيع [بن أنس]، في قوله:{إنا كفيناك المستهزئين} ، قال: هؤلاء فيما سمعنا خمسة رَهْطٍ استهزءوا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلمّا أراد صاحبُ اليمن أن يرى النبيَّ صلى الله عليه وسلم أتاه الوليد بن المغيرة، فزعم أنّ محمدًا ساحر، وأتاه العاصي بن وائل فأخبره أنّ محمدًا يُعلَّمُ أساطير الأولين، فجاءه آخر فزعَمَ أنّه كاهن، وجاءه آخر فزعم أنّه شاعر، وجاء آخر فزعم أنّه مجنون، فكفى اللهُ محمدًا أولئك الرهط في ليلة واحدة، فأهلكهم بألوان من العذاب، كل رجل منهم أصابه عذاب؛ فأما الوليد فأتى على رجل مِن خُزاعة وهو يرَيِشُ نَبلًا له، فمرَّ به وهو يَتَبَخْتَرُ، فأصابه منها سهم، فقطع أكحله، فأهلكه الله، وأَمّا العاصي بن وائل فإنّه دخل في شِعْبٍ، فنزل في حاجة له، فخرجت إليه حَيَّةٌ مثل العمود، فلَدَغَتْه، فأهلكه الله، وأَمّا الآخر فكان رجلًا أبيض حسن اللون، خرَج عِشاء في تلك الليلة، فأصابته سَموم شديدةُ الحَرِّ، فرجع إلى أهله وهو مثل حبشي، فقالوا: لست بصاحبنا. فقال: أنا صاحبُكم. فقتلوه، وأَمّا الآخر فدخل في بئر له، فأتاه جبريل، فغمَّه فيها، فقال: إنِّي قُتِلت، فأغيثوني. فقالوا: واللهِ، ما نرى أحدًا. فكان كذلك حتى أهلكه الله، وأَمّا الآخر فذهب إلى إبلِه ينظر فيها، فأتاه جبريل بشوك القَتادِ، فضربه، فقال: أغيثوني؛ فإني قد هَلَكت. قالوا: واللهِ، ما نرى أحدًا. فأهلكه الله، فكان لهم في ذلك عِبْرَة
(2)
.
(8/ 663)
40721 -
قال مقاتل بن سليمان: ثم قال سبحانه: {إنا كفيناك المستهزئين} ، وذلك أنّ الوليد بن المغيرة المخزومي حين حضر الموسم قال: يا معشر قريش، إنّ محمدًا قد علا أمرُه في البلاد، وما أرى الناس براجعين حتى يلقونه، وهو رجل حُلْوُ الكلام، إذا كلَّم الرجلَ ذهب بعقله، وإنِّي لا آمَنُ أن يُصَدِّقه بعضُهم، فابعثوا رَهْطًا مِن ذَوِي الحِجا والرأي فليجلسوا على طريق مكة مسيرةَ ليلة أو ليلتين، فمَن سأل عن محمد
(1)
أخرجه ابن جرير 14/ 151.
(2)
عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.
فليقل بعضهم: إنّه ساحر يفرق بين الاثنين. ويقول بعضهم: إنّه كاهن يُخْبِر بما يكون في غدٍ لَئَلّا تروه خير مِن أن تروه. فبعثوا في كل طريق بأربعة من قريش، وأقام الوليد بن المغيرة بمكة، فمن دخل مكة في غير طريق سالك يريد النبيَّ صلى الله عليه وسلم تلقاهم الوليد، فيقول: هو ساحر كذاب. ومَن دخل مِن طريق لَقِيَه الستة عشر، فقالوا: هو شاعر، وكذّاب، ومجنون. ففعلوا ذلك، وانصدع الناسُ عن قولهم، فشقَّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرجو أن يلقاه الناسُ فيعرض عليهم أمرَه، فمنعه هؤلاء المستهزءون من قريش، ففرحت قريش حين تفرَّق الناسُ عن قولهم، وقالوا: ما عند صاحبكم إلا غرورًا. يعنون: النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت قريش: هذا دَأْبُنا ودَأْبُك. فذلك قوله سبحانه: {وإذا قِيلَ لَهُمْ ماذا أنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أساطِيرُ الأَوَّلِينَ} [النحل: 24]. وكان منهم من يقول: بئس وافد القوم أنا إن انصرفت قبل أن ألقى صاحبي. فيدخل مكة، فيلقى المؤمنين، فيقول: ما هذا الأمر؟ فيقولون: خيرًا، أنزل الله عز وجل كتابًا، وبعث رسولًا. فذلك قوله سبحانه:{ماذا أنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْرًا} [النحل: 30]. فنزل جبريل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم عند الكعبة، فمَرَّ به الوليد بن المغيرة بن عبد الله. فقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: كيف تَجِدُ هذا؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «بئس عبد الله هذا» . فأهوى جبريل بيده إلى فوق كعبه، فقال: قد كفيتك. فمرَّ الوليد في حائط فيه نبل لبني المصطلق -وهي حيٌّ مِن خزاعة- يَتَبَخْتَر فيهما، فتَعَلَّق السهم بردائه قبل أن يبلغ منزله، فنفض السهم وهو يمشي برجله، فأصاب السهم أكحله، فقطعه، فلمّا بات تلك الليلة انتفضت به جراحته. ومرَّ به العاص بن وائل، فقال جبريل: كيف تجد هذا؟ قال: «بئس عبد الله هذا» . فأهوى جبريل بيده إلى باطن قدمه، فقال: قد كفيتك. وركب العاص حمارًا مِن مكة يريد الطائف، فاضطجع الحمار به على شِبْرِقة ذات شوك، فدخلت شوكة في باطن قدمه، فانتفخت، فقتله الله عز وجل تلك الليلة. ومرَّ به الحارث بن قيس بن عمرو بن ربيعة بن سهم، فقال جبريل عليه السلام: كيف تجد هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس عبد الله هذا» . فأهوى جبريل عليه السلام إلى رأسه، فانتفخ رأسُه، فمات منها، ومرَّ به الأسود بن عبد العُزّى بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، فقال جبريل عليه السلام: كيف تجد هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس عبد الله هذا، إلا أنه ابن خالي» . فأهوى جبريل عليه السلام بيده إلى بطنه، فقال: قد كفيتك. فعطِش، فلم يَرْوَ مِن الشراب حتى مات. ومَرَّ الأسود بن عبد المطلب بن المنذر بن عبد العُزّى بن قُصَيّ، فقال جبريل: كيف تجد هذا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس عبد الله هذا» . قال: قد كَفَيْتُك