الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللسلف في الآية قول آخر أشار إليه ابن الجوزي بقوله بعد هذه الآية: وقيل هم المنافقون.
وقال به من السلف: السُّدي.
(1)
ومن المفسرين: ابن جرير، والقرطبي
(2)
.
وكلا القولين صحيح تحتمله الآية، قال ابن جرير قي قبول القولين معاً:
«القول في تأويل قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة: 142]، يعني بقوله جل ثناؤه، سيقول السفهاء، سيقول الجهال من الناس وهم اليهود وأهل النفاق
وإنما سماهم الله عز وجل سفهاء لأنهم سفهوا الحق؛ فتجاهلت أحبار اليهود، وتعاظمت جهالهم، وأهل الغباء منهم عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان من العرب ولم يكن من بني إسرائيل، وتحير المنافقون فتبلدوا»
(3)
.
ويتبين مما تقدم صحة هذا الوجه في معنى الآية، ومأخذه التفسير بالمثال، لأن اليهود مثال من أمثلة السفه، ويجوز أن يكون مأخذ هذا الوجه السياق القرآني لأن وصم السفه بمن سألوا عن تحويل القبلة يدل على أنهم اليهود، وإلا فالسفه هنا لم يتحول عن الجهل
(4)
الذي هو الوجه الأول، غير أن ابن الجوزي نظر إلى لازم السفه في الوجه الأول، ونظر إلى السياق والمراد بالسفه في الوجه الثاني.
الوجه الثالث:
النساء والصبيان.
ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5].
وقال به من السلف: ابن مسعود، وقتادة، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، والضحاك، والسُّدي، وأبو مالك غزوان الغفاري.
(5)
ومن المفسرين: الفرَّاء، والزَّجَّاج، والنَّحَّاس، والبغوي، والزَّمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو
(1)
جامع البيان 2/ 5.
(2)
جامع البيان 2/ 5. الجامع لأحكام القرآن 2/ 100.
(3)
جامع البيان 2/ 5.
(4)
ينظر كلام ابن جرير المتقدم.
(5)
جامع البيان 4/ 306.
حيَّان، وابن كثير
(1)
.
وللسلف في الآية أقوال أخر هي:
أن السفهاء في الآية هم: الصبيان خاصة، وقال به أبو موسى الأشعري، وابن عباس، وابن زيد، وأبو مالك غزوان الغفاري.
أن السفهاء في الآية: النساء خاصة، وقال به ابن عمر، مجاهد، والحسن، والضحاك.
(2)
أن السفهاء في الآية: اليتامى، وقال به سعيد بن المسيب.
أن السفهاء في الآية: الخدم، وقال به أبو هريرة.
(3)
وليس هناك تعارض بين هذه الأقوال، بل هي كلها أمثلة فسر بها السلف الآية، قال ابن جرير في ترجيح عموم هذه الأقوال وغيرها في تفسير هذه الآية:
«قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه عم بقوله:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، فلم يخصص سفيها دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيها ماله، صبيا صغيرا كان، أو رجلا كبيرا ذكرا كان أو أنثى، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله هو المستحق الحجرَ بتضييعه ماله، وفساده وإفساده وسوء تدبيره ذلك.
وإنما قلنا ما قلنا، من أن المعني بقوله:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5]، هو من وصفنا دون غيره، لأن الله - جل ثناؤه - قال في الآية التي تتلوها {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} ، [النساء: 6]، فأمر أولياء اليتامى بدفع أموالهم إليهم إذا بلغوا النكاح، وأونس منهم الرشد، وقد يدخل في اليتامى الذكور والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع مالهم من الأموال الذكور دون الإناث ولا الإناث دون الذكور، وإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أن الذين أمر أولياؤهم بدفعهم أموالهم إليهم وأجيز للمسلمين مبايعتهم
(1)
معاني القرآن للفراء 1/ 256. معاني القرآن وإعرابه 2/ 13. معاني القرآن للنحاس 2/ 18. معالم التنزيل ص 273. الكشاف 1/ 502. المحرر الوجيز 2/ 9. الجامع لأحكام القرآن 2/ 5. البحر المحيط 3/ 515. تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/ 192.
(2)
جامع البيان 4/ 306.
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم 3/ 863.
ومعاملتهم، غير الذين أمر أولياؤهم بمنعهم أموالهم، وحظر على المسلمين مداينتهم ومعاملتهم، فإذا كان ذلك كذلك، فبين أن السفهاء الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم، هم المستحقون الحجر، والمستوجبون أن يولى عليهم أموالهم، وهم من وصفنا صفتهم قبل، وأن من عدا ذلك فغير سفيه لأن الحجر لا يستحقه من قد بلغ، وأونس رشده»
(1)
.
تنبيه:
ضعّف ابن جرير قول ابن عمر، ومجاهد، والحسن، والضحاك. بأن السفهاء في الآية: النساء؛ فقال: «وأما قول من قال عنى بالسفهاء النساء خاصة، فإنه جعل اللغة على غير وجهها، وذلك أن العرب لا تكاد تجمع فَعَيلا على فُعَلاء إلا في جمع الذكور أو الذكور والإناث، وأما إذا أرادوا جمع الإناث خاصة، لا ذكران معهم جمعوه على فَعَائل وفَعِيلات، مثل غَرِيبة تجمع غَرَائب، وغَرِيبات فأما الغُرَباء؛ فجمع غَرِيب»
(2)
.
وتبعه في هذا النَّحَّاس، وابن عطية، والقرطبي
(3)
.
ومعلوم أن أولئك السلف، لم يفسروا كتاب الله تعالى على خلاف اللغة العربية، وأنى لمثلهم أن يخطئ الفصحى، ويستدرك عليه من بعده.
قال أبو إسحاق الزَّجَّاج في تصحيح مذهب السلف: « .. وقال بعضهم: السفهاء اليتامى، والسفهاء: يدل على أنه لا يعني به النساء وحدهن، لأن النساء أكثر مايستعمل فيهنَّ جمع سفيهة، وهو: سفائه، ويجوز: سُفَهَاء كما يقال: فقيرة، وفقراء»
(4)
.
وقال أبو حيَّان: بعد عرضه لرد ابن عطية لقول السلف هذا: «ونقلوا أن العرب جمعت سَفِيهة على سُفَهَاء، فهذا اللفظ قد قالته العرب للمؤنث، فلا يضعف قول مجاهد»
(5)
.
ويتبين مماتقدم صحة الوجه في معنى الآية، ومأخذه التفسير بالمثال لأن النساء والصبيان أمثلة من السفه المراد، وإلا فهو أعم كما تعددت الأمثلة عند السلف فيما تقدم.
(1)
جامع البيان 4/ 306.
(2)
جامع البيان 4/ 310.
(3)
إعراب القرآن للنحاس 1/ 200. المحرر الوجيز 2/ 9. الجامع لأحكام القرآن.
(4)
معاني القرآن وإعرابه 2/ 13.
(5)
البحر المحيط 3/ 515.