الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتبين مما تقدم صحة هذا الوجه في معنى الآية، ومأخذه المعنى الأصلي للفظ في اللغة، قال ابن فارس:«العين والفاء والحرف المعتلّ: أصلان يدلُّ أحدهما على تركِ الشئ، والآخر على طَلَبِه، ثم يرجع إليه فروعٌ كثيرة لا تتفاوَتُ في المعنى»
(1)
، وفي عبارته الأخيرة دلالة على قرب هذا الوجه من الذي قبله، كما أشار إليه ابن الجوزي، إذ أن الصفح والمغفرة تركٌ للأخذ بالذنب ونزول من العدل إلى العفو، وهو كذلك هنا فحق المطلقة النصف؛ فإن عفت تركته لمطلقها.
الوجه الثالث:
الفاضل من المال.
ومثل له ابن الجوزي بآيتين:
الآية الأولى:
قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: 219].
وشهد له حديث جابر قال: أعتق رجل من بني عَذِرَة عبداً له عن دبر
(2)
، فبلغ ذلك عليه السلام فقال:«ألك مال غيره؟. فقال: لا. فقال: من يشتريه مني؟. فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله عليه السلام، فدفعها إليه، ثم قال:» ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء، فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا، وهكذا، يقول فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك «
(3)
.
وقال به من السلف: ابن عباس، وقتادة، وعطاء، والسُّدي، والحسن، وابن زيد
(4)
.
ومن المفسرين: الفرَّاء، وابن جرير، والزَّجَّاج، والبغوي، والزَّمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو حيَّان، وابن كثير
(5)
.
وللسلف في الآية أقوال أخر:
- أن العفو هنا بمعنى: الوسط في النفقة: وقال به الحسن، وعطاء.
- أن العفو هنا بمعنى: أخذ مايؤتى به قليلا كان أو كثيرا: وقال به ابن عياس
- أن العفو هنا بمعنى: ماطاب من أموالهم: وقال به الربيع وقتادة.
- أن العفو هنا بمعنى: الصدقة المفروضة: وقال به مجاهد، ورده ابن جرير
(6)
.
وليس بين هذه الأقوال تعارض عدا القول الأخير، وكلها تعود إلى الفضل والزيادة
(7)
، وأنها أثر من آثار الترك قال ابن فارس:«وقول القائل: عفا: درس، وعفا: كثُر ـ وهو من الأضداد ـ ليس بشئ، إنّما المعنى ما ذكرناه، فإذا تُرِك ولم يُتعهَّد حتّى خَفِيَ على مَرّ الدهر فقد عفا، وإذا تُرِك فلم يُقطَع ولم يُجَزَّ فقد عفا، والأصل فيه كلّه التَّرك كما ذكرناه»
(8)
.
(1)
مقاييس اللغة ص 642.
(2)
معناه: التَّدبير: عِتْق الرّجُل عبدَه أو أمَتَه عن دُبُر، وهو أن يَعْتِقَ بعد موت صاحبِه، كأنَّه يقول: هو حُرٌّ بعدَ موتي.
(التعريفات ص 265).
(3)
أخرجه مسلم 2/ 692، برقم 997.
(4)
جامع البيان 2/ 482.
(5)
معاني القرآن وإعرابه 1/ 141. جامع البيان 2/ 482. معاني القرآن وإعرابه 1/ 293. معالم التنزيل ص 124. الكشاف 1/ 290. المحرر الوجيز 1/ 295. الجامع لأحكام القرآن 3/ 41. البحر المحيط 2/ 406. تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 514.
(6)
جامع البيان 2/ 482.
(7)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 514.
(8)
مقاييس اللغة ص 642.