الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثالث:
الذات.
ومثل له ابن الجوزي بخمس آيات:
الآية الأولى:
قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]،
الآية الثانية:
قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف: 28]،
الآية الثالثة:
قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]،
الآية الرابعة:
قوله تعالى: {يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 38]،
الآية الخامسة:
قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9].
كثير من المفسرين
(1)
لم يوفق للسبيل الصحيح رغم اجتهاده في تفسير الوجه في هذه الآيات ومثلها، فقالوا: وجهه: ذاته. جهته. وجوده. قصده. رضاه. ثوابه. أنه صلة.
وقد انبرى لتلك الشبهة أئمة الإسلام فأنار الله تعالى بهم الدروب، وبينوا حقيقة صفة الوجه لله تعالى؛ ومن أولئك الأئمة ابن قيم الجوزية فوقف وقوف السابر المتأمل فقال:
«الأول: أنه لا يعرف في لغة من لغات الأمم وجه الشيء بمعنى ذاته ونفسه، وغاية ماشبه به المعطل وجه الرب أن قال: هو كقول القائل وجه الحائط ووجه الثوب، فيقال للمعطل: المشبه به ليس الوجه في ذلك بمعنى الذات بل هذا مبطل لقولك؛ فان وجه الحائط أحد جانبيه فهو مقابل لدبره، ومثل هذا وجه الكعبة ودبرها فهو وجه حقيقة، ولكنه بحسب المضاف إليه فلما كان المضاف إليه بناء كان وجهه من جنسه، وكذلك وجه الثوب أحد جانبيه وهو من جنسه.
الثاني: أن حمله على الثواب المنفصل من أبطل الباطل، فان اللغة لا تحتمل ذلك ولا يعرف أن الجزاء يسمى وجها للمجاز، وأيضا فالثواب مخلوق وقد علمنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ بوجه الله فقال أعوذ بوجهك الكريم أن تضلني لا إله إلا الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون رواه أبو داود وغيره
(2)
.
(1)
من أجمع من أورد الأقوال الباطلة ابن عطية في المحرر الوجيز 2/ 295، 4/ 304، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن
6/ 278، 13/ 213، وأبو حيان في البحر المحيط 8/ 332.
(2)
أخرجه أبو داود (كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم 4/ 132 برقم 5052) من حديث علي بن أبي طالب.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: «أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك»
(1)
، ولم يكن ليسأل لذة النظر إلى ثواب المخلوق ولا يعرف تسمية ذلك وجها لغة ولا شرعا ولا عرفا.
الرابع: قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السماوات والأرض من نور وجهه»، فهل يصح أن يحمل الوجه في هذا على مخلوق أو يكون صلة لا معنى له، أو يكون بمعنى القبلة والجهة، فعلم أن نوره صفة له كما أن الوجه صفة ذاتية وهو الذي قاله ابن مسعود وهو تفسير قوله:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35]، فلا تشتغل بأقوال المتأخرين الذين غشت بصائرهم عن معرفة ذلك فخذ العلم عن أهله فهذا تفسير الصحابة رضي الله عنهم.
الخامس: أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وجميع أهل السنة والحديث والأئمة الأربعة وأهل الاستقامة من أتباعهم متفقون على أن المؤمنين يرون وجه ربهم في الجنة؛ فمن أنكر حقيقة الوجه لم يكن للنظر عنده حقيقة، ولا سيما إذا أنكر الوجه والعلو فيعود النظر عنده إلى خيال مجرد، وان أحسن العبارة قال: هو معنى يقوم بالقلب لهم إليه، كنسبة النظر إلى العين وليس في الحقيقة عنده نظر ولا وجه ولا لذة تحصل للناظر.
السادس: أن تفسير وجه الله بقبلة الله وإن قاله بعض السلف كمجاهد
(2)
وتبعه الشافعي فإنما قالوه في موضع واحد لا غير وهو قوله تعالى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، فهب أن هذا كذلك في هذا الموضع فهل يصح أن يقال ذلك في غيره من المواضع التي ذكر الله تعالى فيها الوجه؟، فما يفيدكم هذا في قوله تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27]، وقوله {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 20]، وقوله:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: 9]، على أن الصحيح في قوله تعالى:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، أنه كقوله في سائر الآيات التي فيها ذكر الوجه؛ فانه قد اطرد مجيئه في القرآن والسنة مضافا إلى الرب تعالى على طريقة واحدة ومعنى واحد؛ فليس فيه معنيان مختلفان في جميع
(1)
أخرجه النسائي في المجتبى (كتاب افتتاح الصلاة، باب نوع آخر من الدعاء 3/ 54 برقم 1305)، وأحمد 5/ 191، قال المغراوي: بأسانيد يقوي بعضها بعضا، وهو من حديث عمار بن ياسر.
(2)
جامع البيان 1/ 664.
المواضع غير الموضع الذي ذكره في سورة البقرة وهو قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، وهذا لا يتعين حمله على القبلة أو الجهة ولا يمنع أن يراد به وجه الرب حقيقة فحمله على موارده ونظائره كلها أولى
(1)
.
السابع: أنه لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغة ولا شرعا، ولا عرفا، بل القبلة لها اسم يخصها، والوجه له اسم يخصه، فلا يدخل أحدهما على الآخر، ولا يستعار اسمه له.
الثامن: أنه لو أريد بالوجه في الآية الجهة والقبلة لكان وجه الكلام أن يقال: فأينما تولوا فهو وجه الله، لأنه إذا كان المراد بالوجه الجهة فهي التي تولي نفسها وإنما يقال ثم كذا إذا كان أمران كقوله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)} [الإنسان: 20]، فالنعيم والملك ثم لا إنه نفس الظرف والوجه لو كان المراد به الجهة نفسها لم يكن ظرفا لنفسها فإن الشيء لا يكون ظرفا لنفسه فتأمله، ألا ترى أنك إذا أشرت إلى جهة الشرق والغرب لا يصح أن تقول ثم جهة الشرق ثم جهة الغرب بل تقول هذه جهة الشرق وهذه جهة الغرب ولو قلت: هناك جهة الشرق والغرب لكان ذكر الظرف لغوا، وذلك لأن ثم إشارة إلى المكان البعيد فلا يشار بها إلى قريب والجهة والوجهة مما يحاذيك إلى آخرها فجهة الشرق والغرب ووجهة القبلة مما يتصل إلى حيث ينتهي؛ فكيف يقال فيها: ثم إشارة إلى البعيد؟ بخلاف الإشارة إلى وجه الرب تبارك وتعالى فإنه يشار إلى ذاته، ولهذا قال غير واحد من السلف فثم الله تحقيقا لان المراد وجهه الذي هو من صفات ذاته والإشارة إليه بأنه ثم كإشارة إليه بأنه فوق سمواته وعلى العرش وفوق العالم.
التاسع: أن تفسير القرآن بالقرآن هو أولى التفاسير ما وجد اليه السبيل ولهذا كان يعتمده الصحابة والتابعون والأئمة بعدهم والله تعالى ذكر في القرآن القبلة باسم القبلة والوجوه، وذكر وجهه الكريم باسم الوجه المضاف إليه فتفسيره في هذه الآية بنظائره هو المتعين»
(2)
.
(1)
في آية البقرة هذه خالف ابن القيم شيخه ابن تيمية حيث أنه ضمها إلى نظائرها من آيات الصفات، وأما ابن تيمية فإنه يرى أن هذه الآية ليس من آيات الصفات وإنما الوجه هنا بمعنى الجهة وذكر هذا واضحا جليا في مناظراته للأشاعره وإمهاله لهم ثلاث سنين أن يأتوا بحرف من أقوال السلف يخالف ماقرره .. ينظر للاستزادة (الفتاوى 6/ 15).
(2)
مختصر الصواعق المرسلة 2/ 350. بتصرف شديد وقد ذكر اثنين وعشرين وجها تنظر للاستزادة، وأيضا: الاعتقاد
ص 8، الإبانة لأبي الحسن الأشعري 1/ 120، الفتاوى 6/ 15، 6/ 424 والجواب الصحيح لابن تيمية 4/ 414، أقاويل الثقات للكرمي ص 144، وتفسير ابن عثيمين لسورة الكهف ص 58.