الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتبين مما تقدم صحة هذا الوجه في معنى الآية، ومأخذه المعنى المشهور للفظ في اللغة؛ قال الراغب الأصفهاني:«الكرسي في تعارف العامة اسم لما يقعد عليه»
(1)
.
الوجه الثاني: العلم
.
ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255]، أي: علمه.
وهو مروي عن ابن عباس
(2)
ومجاهد
(3)
.
وأورده من المفسرين: ابن جرير ورجحه، والزَّجَّاج، والنَّحاس، والبغوي، والزَّمخشري، وابن عطية، والقرطبي، وأبو حيان، وابن كثير
(4)
.
وهذا القول في تفسير الكرسي معتَمده أمران هما:
1 -
ما روي عن ابن عباس عند ابن جرير: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} . قال كرسيه علمه «وزاد في رواية أخرى عنه: «ألا ترى إلى قوله: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}؟»
(5)
.
2 -
قول الشاعر:
مَالي بأمْرِكَ كرسيٌّ أُكاتمهُ
…
ولا بِكُرسيِّء عِلْمِ اللهِ مَخْلُوقُ
(6)
فأما الرواية عن ابن عباس فهي لا تثبت عنه لأمور:
_ قال ابن كثير عن ذات الرواية: «وعندي في صحته نظر.»
(7)
(1)
مفردات ألفاظ القرآن 706.
(2)
جامع البيان 3/ 15.
(3)
ذكره عنه البغوي في معالم التنزيل ص 159.
(4)
جامع البيان 3/ 15. معاني القرآن وإعرابه 1/ 337. معاني القرآن للنحاس 1/ 263. معالم التنزيل ص 159. الكشاف 1/ 328. المحرر الوجيز 1/ 342. الجامع لأحكام القرآن 3/ 180. البحر المحيط 2/ 316. تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 613.
(5)
جامع البيان 3/ 15.
(6)
البيت لا يعرف قائله وقد ذكره النَّحاس في معاني القرآن 1/ 263، وذكره أبو حيان في البحر المحيط 2/ 613.
(7)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/ 616. ونقد هذا الإسناد ابن مندة في الرد على الجهمية 21.
- وذكر ابن أبي العز أن المحفوظ عن ابن عباس أن الكرسي هو موضع القدمين
(1)
، وذكر شعيب الأرناؤط أن أثر ابن عباس في تفسير الكرسي بأنه موضع القدمين أصح إسناداً.
(2)
- وقال محمود شاكر في تعقيبه على ابن جرير: «أنه إذا كان أثر ابن عباس في تفسير الكرسي بالعلم صحيح الإسناد فإن الخبر الآخر على شرط الشيخين»
(3)
.
- وقال المغراوي عن رواية ابن عباس الثابتة في أن معنى الكرسي موضع القدمين: «ومثل هذا له حكم الرفع»
(4)
.
- وأما البيت فقد أورده النَّحاس مشيراً إلى استدلال القائلين بالعلم به، ورده فقال:«وهو أيضاً لحن لأن الكرسي غير مهموز»
(5)
.
وللسلف في الآية قول آخر: وهو أن الكرسي موضع القدمين.
وهو الثابت عن ابن عباس كما تقدم آنفاً، وقال به أيضاً أبو موسى الأشعري، والسُّدي، ومسلم البطين، والربيع، وابن زيد
(6)
، ومجاهد
(7)
.
(1)
أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 282، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وابن خزيمة في التوحيد 1/ 249.
وابن أبي العز: صدر الدين على بن محمد بن العز الأذرعى الدمشقي الحنفي المتوفى سنة 792 هـ (مقدمة المحقق لشرحه للطحاوية. كشف الظنون 2/ 1143)
(2)
شرح العقيدة الطحاوية ص 371.
(3)
جامع البيان 5/ 401، حاشية رقم 1.
(4)
المفسرون بين التأويل والإثبات 1/ 388.
(5)
معاني القرآن للنحاس 1/ 264.
(6)
جامع البيان 3/ 15.
(7)
ذكره عنه القرطبي في الجامع 3/ 180.
وأبو موسى الأشعري: عبد الله بن قيس بن سليمان بن حَضَّار الأشعري، أبو موسى هاجر إلى الحبشة، وولي الكوفة لعمر والبصرة وفتح على يديه تستر وعدة أمصار، له ثلثمائة وستون مات سنة 42 هـ (الاستيعاب 3/ 979. الإصابة
4/ 211).
ومسلم البطين: مسلم بن عمران أو ابن أبي عمران، البطين، أبو عبد الله الكوفي، روى عن سعيد بن جبير وعلي بن الحسين وطائفة وروى عنه سلمة بن كهيل وأبو إسحاق وسليمان الأعمش وطائفة وثقه أحمد وغيره (تقريب التهذيب 530. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 376).
وقال به من المفسرين: الزَّجَّاج، والنَّحاس، والبغوي، وابن عطية، وأبو حيان، والقرطبي، وابن كثير
(1)
؛ كلهم يرجح القول الثاني، كقول الزَّجَّاج:«وهذا القول بيّن لأن الذي نعرفه من الكرسي في اللغة الشيء الذي يعتمد عليه ويُجلس عليه، فهذا يدل على أن الكرسي عظيم، عليه السموات والأرضون»
(2)
وقال ابن عطية بعد ذكره رواية أبي موسى الأشعري: «وعبارة أبي موسى مخلصة لأنه يريد هو من عرش الرحمن كموضع القدمين في أسرة الملوك، وهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته إليه نسبة الكرسي إلى سرير الملك، والكرسي هو موضع القدمين»
(3)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية موضحاً منهج أهل السنة والجماعة في الكرسي ومشيراً إلى شطط القول بالعلم: «العرش موجود بالكتاب والسنة وإجماع سلف الامة وأئمتها وكذلك الكرسى ثابت بالكتاب والسنة وإجماع جمهور السلف وقد نقل عن بعضهم أن كرسيه علمه وهو قول ضعيف فان علم الله وسع كل شيء كما قال: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا}
[غافر: 7] والله يعلم نفسه ويعلم ما كان وما لم يكن فلو قيل وسع علمه السموات والأرض لم يكن هذا المعنى مناسبا لا سيما وقد قال تعالى {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة: 255] أي لا يثقله ولا يكرثه، وهذا يناسب القدرة لا العلم والآثار المأثورة تقتضي ذلك لكن الآيات والأحاديث في العرش أكثر من ذلك صريحة متواترة، وقد قال بعضهم: إن الكرسي هو العرش: لكن الأكثرون أنهما شيئان»
(4)
.
(1)
معاني القرآن وإعرابه 1/ 337. معاني القرآن للنحاس 1/ 263. معالم التنزيل ص 159. المحرر الوجيز 1/ 342. الجامع لأحكام القرآن 3/ 180. البحر المحيط 2/ 613. تفسير القرآن العظيم 1/ 613.
(2)
معاني القرآن وإعرابه 1/ 338.
(3)
المحرر الوجيز 1/ 342.
(4)
الفتاوى 6/ 584. وفي الآية قولان آخران:
1 -
أن الكرسي بمعنى العرش وهو مروي عن الحسن وقد تقدم رد ابن تيمية له.
2 -
أن الكرسي بمعنى القدرة ورده الزجاج إلى القول بالعلم ثم رجح أنه موضع القدمين. (معاني القرآن وإعرابه 1/ 338). وجمع ابن عثيمين أطراف المسألة ورجح الرفع في رواية ابن عباس في الصفة، ورد القول بالعلم وضعفه، وضعف القول بأن العرش والكرسي واحد (تفسير القرآن الكريم 3/ 254).