الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الشفعة على وفق القياس
[م-1017] ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الشفعة على خلاف القياس
(1)
.
وجه مخالفتها للقياس:
أنها قائمة على أخذ مال الغير بغير رضاه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه
(2)
.
(1)
المبسوط (14/ 90)، حاشية الجمل (3/ 498)، شرح منتهى الإرادات (2/ 241).
(2)
معنى الحديث ثابت في الصحيحين من حديث أبي بكرة عند البخاري (1741) ومسلم (1679)، ورواه البخاري (1739) من حديث ابن عباس (1739)، ومسلم من حديث جابر (1218). وحرمة مال المسلم مقطوع به، مجمع عليه. هذا من حيث الفقه
وأما دراسة الحديث من حيث الإسناد، فحديث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه) رواه عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري على وجهين.
أحدهما: رواه عبد الملك بن حسن الجاري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن عمارة بن حارثة الضمري، عن عمرو بن يثربي.
ورواه سهيل بن أبي صالح، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي حميد الساعدي.
وذكر البيهقي (6/ 100) بإسناده عن علي بن المديني أنه قال: الحديث عندي حديث سهيل. اهـ
قلت: وعمارة بن حارثة ذكره البخاري في التاريخ الكبير (6/ 497)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 364)، ولم يذكرا فيه جرحًا.
وذكره ابن حبان في الثقات (5/ 244)، وهو من التابعين، وليس له رواية إلا هذا الحديث. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وإليك تفصيل ما أجملته:
فرواه عبد الملك بن حسن الجاري، واختلف عليه فيه:
فرواه أحمد (3/ 423)، (5/ 113)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (979) والروياني في مسنده (1475)، والفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 155)، والبيهقي (6/ 97) عن أبي عامر العقدي.
ورواه الدارقطني (3/ 25) وابن قانع في معجم الصحابة (709) من طريق زيد بن الحباب.
كلاهما عن عبد الملك بن حسن، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن عمارة بن حارثة الضمري، عن عمرو بن يثربي.
ورواه حاتم بن إسماعيل واختلف عليه فيه:
فرواه الطحاوي في مشكل الآثار (7/ 252) وفي شرح معاني الآثار (4/ 241)، من طريق أصبغ بن الفرج.
والخرائطي في مساوئ الأخلاق (2/ 184) من طريق علي الحراني
وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4/ 1997) رقم 5014 من طريق أبي جعفر النفيلي، وسعيد ابن عمرو الأشعثي، فرقهما، كلهم رووه عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الملك بن الحسن، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن عمارة بن حارثة، عن عمرو اليثربي، كرواية الجماعة.
وخالفهم عباد المكي، فرواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5/ 113) والدارقطني (3/ 26) وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 208) عن عباد المكي، عن حاتم بن إسماعيل، عن عبد الملك بن الحسن، عن عمارة بن حارثة، عن عمرو بن يثربي، فأسقط من إسناده عبد الرحمن ابن أبي سعيد. والمعروف ما وافق رواية الجماعة. قال الدارقطني في سننه (3/ 26) سقط منه ابن أبي سعيد، والأول أصح.
إذا وقفت على هذا فقد قال البوصيري كما في إتحاف الخيرة المهرة (4/ 306) هذا حديث رجاله ثقات.
وقال الزيلعي كما في نصب الراية (4/ 169): إسناده جيد.
وأما حديث عبد الرحمن بن أبي سعيد عن سهيل بن أبي صالح:
فقد رواه أحمد (5/ 425) عن عبيد بن أبي قرة.
ورواه أيضًا (5/ 425) عن أبي سعيد مولى بني هاشم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده كما في إتحاف الخيرة المهرة (3907)، والطحاوي في مشكل الآثار (7/ 251) رقم 2822 وفي شرح معاني الآثار (4/ 241)، وابن حبان في صحيحه (5978) والبزار في مسنده (3717) من طريق أبي عامر العقدي.
ورواه الروياني في مسنده (1458) من طريق أحمد بن عبد الرحمن، عن عمه (عبد الله بن وهب).
ورواه الحاكم كما في إتحاف الخيرة (4/ 306) ولم أقف عليه في المستدرك، ومن طريق الحاكم رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 100) من طريق الربيع بن سليمان، عن عبد الله بن وهب.
ورواه البيهقي (9/ 358) من طريق أبي بكر بن أبي أويس،
كلهم رووه عن سليمان بن بلال، عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الرحن بن سعد، وقال بعضهم (ابن سعيد) عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرئ أن يأخذ مال أخيه بغير حق، وذلك لما حرم الله مال المسلم على المسلم. هذا لفظ أحمد. وقال بعضهم: أن يأخذ عصا أخيه. وعبد الرحمن بن سعد قال البيهقي (6/ 100) هو عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري.
وله شواهد منها:
الأول: حديث عم أبي حرة الرقاشي، رواه أحمد (5/ 72) بتمامه، وأبو يعلى في مسنده (1570) وفيه موضع الشاهد (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه) روياه من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي حرة الرقاشي، عن عمه.
ورواه ابن أبي شيبة (7/ 272) والدارمي (2534)، والطبراني في الكبير (4/ 53) رقم: 3609، وأبو يعلى (1569) بالإسناد نفسه مختصرًا، وليس فيه موضع الشاهد. وهذا إسناد ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان، وقد ذكر أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (2/ 324) أن عم أبي حرة ليس له إلا هذا الحديث. وقد تأكد لي هذا بالبحث.
الشاهد الثاني: حديث ابن عباس.
رواه الحاكم في المستدرك (318) ومن طريقه البيهقي (6/ 96) من طريق ابن أبي أويس، عن ثور بن زيد الديلي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع
…
فذكر الحديث، وفيه: لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه من طيب نفس، ولا تظلموا ولا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض. =
ولأنه بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري في إبطال ملكه عليه، وليس لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغيره.
جاء في الهداية: «حق الشفعة معدول به عن سنن القياس لما فيه من تملك المال على الغير بلا رضاه»
(1)
.
وقال ابن قدامة: «الشفعة تثبت على خلاف الأصل؛ إذ هي انتزاع ملك المشتري بغير رضا منه، وإجبار له على المعاوضة مع ما ذكره الأصم»
(2)
.
يشير ابن قدامة إلى ما نقله عن الأصم بأنه قال: «لا تثبت الشفعة؛ لأن في ذلك إضرارًا بأرباب الأملاك، فإن المشتري إذا علم أنه يؤخذ منه إذا ابتاعه لم يبتعه، ويتقاعد الشريك عن الشراء، فيستضر المالك»
(3)
.
القول الثاني:
اختار المتأخرون من الحنابلة
(4)
، ورجحه ابن تيمية وابن القيم بأن الشفعة جارية على وفق القياس.
قال ابن القيم: «من محاسن الشريعة وعدلها وقيامها بمصالح العباد ورودها بالشفعة ولا يليق بها غير ذلك; فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن
= وعبد الله بن عبد الله بن أويس محله الصدق، بمنزلة فليح بن سليمان، وقد تجنبه البخاري، وروى له مسلم.
ورواه الدارقطني (3/ 25) في سننه من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. وهذا إسناد ضعيف جدًا. فالعرزمي متروك.
(1)
الهداية شرح البداية (4/ 24).
(2)
المغني (5/ 178).
(3)
المرجع السابق.
(4)
شرح منتهى الإرادات (2/ 241)، مطالب أولي النهى (3/ 581).
المكلفين ما أمكن فإن لم يمكن رفعه إلا بضرر أعظم منه بقَّاه على حاله وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به ولما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب، فإن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض فشرع الله سبحانه رفع هذا الضرر بالقسمة تارة وانفراد كل من الشريكين بنصيبه وبالشفعة تارة وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذ لم يكن على الآخر ضرر في ذلك; فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان; فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي ويزول عنه ضرر الشركة ولا يتضرر البائع; لأنه يصل إلى حقه من الثمن وكان هذا من أعظم العدل، وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد. ومن هنا يعلم أن التحيل لإسقاط الشفعة مناقض لهذا المعنى الذي قصده الشارع ومضاد له»
(1)
.
وقال ابن تيمية: «لفظ القياس لفظ مجمل، يدخل فيه القياس الصحيح والقياس الفاسد، فالقياس الصحيح هو الذي وردت به الشريعة، وهو الجمع بين المتماثلين، والفرق بين المختلفين، الأول قياس الطرد، والثاني قياس العكس، وهو من العدل الذي بعث الله به رسوله، فالقياس الصحيح مثل أن تكون العلة التي علق بها الحكم في الأصل موجودة في الفرع من غير معارض في الفرع يمنع حكمها، ومثل هذا القياس لا تأتي الشريعة بخلافه قط، وكذلك القياس بإلغاء الفارق، وهو ألا يكون بين الصورتين فرق مؤثر في الشرع فمثل هذا القياس لا تأتي الشريعة بخلافه، وحيث جاءت الشريعة باختصاص بعض الأنواع بحكم يفارق به نظائره فلا بد أن يختص ذلك بوصف يوجب اختصاصه
(1)
إعلام الموقعين (2/ 139)، وانظر أحكام أهل الذمة (1/ 595).
بالحكم، ويمنع مساواته لغيره، لكن الوصف الذي اختص به قد يظهر لبعض الناس وقد لا يظهر، وليس من شرط القياس الصحيح المعتدل أن يعلم صحته كل أحد، فمن رأى شيئًا من الشريعة مخالفًا للقياس فإنما هو مخالف للقياس الذي انعقد في نفسه، وليس مخالفًا للقياس الصحيح الثابت في نفس الأمر، وحيث علمنا أن النص جاء بخلاف قياس، علمنا قطعًا أنه قياس فاسد، بمعنى أن صورة النص امتازت عن تلك الصور التي يظن أنها مثلها بوصف أوجب تخصيص الشارع لها بذلك الحكم، فليس في الشريعة ما يخالف قياسًا صحيحًا، لكن فيها ما يخالف القياس الفاسد، وإن كان من الناس من لا يعلم فساده»
(1)
.
(2)
.
(1)
مجموع الفتاوى (20/ 504) وما بعدها.
(2)
مجموع الفتاوى (20/ 567).