الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن عبد الرحمن،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل مال لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة
(1)
.
وجه الاستدلال:
دل الحديث بمفهومه على عدم الشفعة في المنقولات؛ لتعذر الحدود والطرق فيها.
فقوله: «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق» يدل على اختصاص الشفعة بما له حدود وطرق، وهو العقار خاصة.
قال ابن عبد البر: «وفي قوله صلى الله عليه وسلم الشفعة فيما لم يقسم دليل على أن ما لا يقسم ولا يضرب فيه حدود لا شفعة فيه، وهذا ينفي الشفعة في الحيوان وغيره مما لا يقسم»
(2)
.
وأجيب عن هذا الدليل بجوابين:
الأول:
أن قوله: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) مدرج من كلام جابر، وليس مرفوعًا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن أبي حاتم في العلل لابنه
(3)
، وسبق الجواب عنه.
الجواب الثاني:
أن قوله: (فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) لا يقتضي تخصيصًا حسب القاعدة التي تقول:
إذا ذكر فرد من أفراد العموم يوافق العموم في حكمه لا يقتضي تخصيصًا،
(1)
البخاري (2214).
(2)
التمهيد لابن عبد البر (7/ 50).
(3)
علل الحديث لابن أبي حاتم (1431).
وذلك مثل قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَات} [البقرة:238] يشمل جميع الصلوات، ثم قال:{وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فهذا فرد من أفراد الصلاة، يوافق العموم في الحكم، فلا يقتضي تخصيص المحافظة على الصلاة الوسطى خاصة، فكذلك قوله:(قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم) هذا حكم عام يشمل جميع ما لم يقسم، ثم قال:(فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق) هذا فرد من أفراد العام، لا يقتضي تخصيص العام به.
وهذا الجواب أقوى من القول بالإدراج؛ لأن الدليل الذي ساقه أبو حاتم رحمه الله ليس كافيًا في الجزم بإدراجها، والتفات الخطاب من الغائب إلى المتكلم أو العكس أسلوب عربي، وكثير منه في القرآن.
وقد صحح الإمام أحمد رفعها، وجاءت من مسند أبي هريرة مما يرجح عدم إدراجها
(1)
.
(1)
الحديث مداره على ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة إلا أنه روي عن ابن شهاب مرة مرسلًا، ومرة مسندًا، ومرة بالشك عن سعيد أو عن أبي سلمة، أو عنهما جميعًا. ومرة بالجزم عنهما، ومرة عن سعيد مرسلًا، وعن أبي سلمة موصولًا، وإليك بيان هذه الطرق.
الحديث رواه عن ابن شهاب جماعة، منهم:
الأول: ابن جريج، عن ابن شهاب.
روى الحديث أبو داود رحمه الله (3515) من طريق ابن إدريس، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة أو عن سعيد بن المسيب، أو عنهما جميعًا،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة.
الثاني: معمر، عن ابن شهاب.
أخرجه النسائي في السنن (4704) من طريق صفوان بن عيسى، عن معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم .... وذكر الحديث، وهذا مرسل.
الثالث: محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رواه البيهقي (6/ 104) من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به بالشك.
الرابع: يونس، عن ابن شهاب.
أخرجه البيهقي أيضًا (6/ 103) من طريق يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم .... وذكر الحديث، وهو مرسل.
الخامس: مالك، عن ابن شهاب.
وقد اختلف فيه على مالك، ولخص هذا الاختلاف ابن عبد البر في التمهيد، فقال:
«روى هذا الحديث عن مالك أكثر رواة الموطأ وغيره مرسلًا إلا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون وأبا عاصم النبيل، ويحيى بن إبراهيم بن داود بن أبي قبيلة المدني، وأبا يوسف القاضي، وسعيد الزبيري، فإنهم رووه عن مالك بهذا الإسناد متصلًا عن أبي هريرة مسندًا.
واختلف فيه على ابن وهب، فروي عنه مرسلًا كما في الموطأ، وروي عنه مسندًا كرواية ابن الماجشون، ومن تابعه.
وكذلك اختلف فيه عن مطرف عن مالك سواء.
ورواه عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد، عن أبي هريرة، ولم يذكر أبا سلمة. والقدامي ضعيف منكر الحديث
…
» ثم ساق هذه الطرق بأسانيده رحمه الله تعالى.
وسوف أخرج لك منها ما وقفت عليه خارج التمهيد.
الرواية عن مالك مرسلة.
[عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بالجمع].
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 713)، ومن طريق مالك أخرجه الشافعي في مسنده (ص: 181) ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي (6/ 103).
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (22743) حدثنا وكيع،
وأخرجه الطحاوي (4/ 121) والبيهقي (6/ 103) من طريق القعنبي
وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 121) من طريق ابن وهب، كلهم (وكيع والقعنبي وابن وهب رووه عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة مرسلًا. =
= [رواية مالك، عن سعيد وحده مرسلة]
أخرجها الطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 121) من طريق أبي عامر والقعنبي قرنهما، عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب مرسلًا. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= [وأما الرواية المسندة عن مالك]:
رواه جماعة عن مالك متصلًا منهم:
الأول: أبو عاصم الضحاك بن مخلد كما في سنن ابن ماجه (2497)، وشرح معاني الآثار للطحاوي (4/ 121)، وسنن البيهقي (6/ 103).
قال الطهراني كما في سنن ابن ماجه: قال لي أبو عاصم: سعيد بن المسيب مرسل، وأبو سلمة عن أبي هريرة متصل.
قلت: مرسل سعيد بن المسيب من أصح المراسيل كما ذكر أئمة أهل الحديث، وقد سبق لك أن طريق أبي سلمة قد روي مرسلًا أيضًا.
ووراه البيهقي في السنن (6/ 104) من طريق الضحاك بن مخلد الشيباني، ثنا مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب أو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به .. بالشك.
الثاني: عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون كما في السنن الكبرى للنسائي (11732) وشرح معاني الآثار (4/ 121)، وصحيح ابن حبان (5185)، والسنن الكبرى للبيهقي (6/ 103).
الثالث: ابن أبي قتيلة كما في شرح معاني الآثار (4/ 121)، وسنن البيهقي (6/ 103)، والفوائد لتمام الرازي (1632).
قال ابن حبان رحمه الله تعالى: «رفع هذا الخبر عن مالك أربعة أنفس، الماجشون وأبو عاصم، ويحيى بن أبي قتيلة، وأشهب بن عبد العزيز، وأرسله عن مالك سائر أصحابه، وهذه كانت عادة يرفع في الأحايين الأخبار، ويوقفها مرارًا، ويرسلها مرة، ويسندها أخرى على حسب نشاطه، فالحكم أبدًا لمن رفع عنه بعد أن يكون ثقة حافظًا متقنًا على السبيل الذي وصفناه في أول الكتاب» .اهـ
قلت: لم يكن الاختلاف فيه على مالك وحده في وصله وإرساله، بل الاختلاف فيه على ابن شهاب رحمه الله تعالى.
فقد رواه يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلًا ورجاله ثقات، انظر سنن البيهقي (6/ 103) فتأمل.
قال البيهقي رحمه الله: «الذي يعرف بالاستدلال من هذه الروايات أن ابن شهاب الزهري ما كان يشك في روايته عن أبي سلمة، عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
ولا في روايته عن سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، كما رواه عنه يونس بن يزيد الأيلي، وكأنه كان يشك في روايته عنهما عن أبي هريرة، فمرة أرسله عنهما، ومرة وصله عنهما، ومرة ذكره بالشك في ذلك، والله أعلم». =