الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكن فللجنس، وليس هنا معهود ينصرف إليه، فكان للجنس، ومعناه: أنه عليه السلام حصر جنس الشفعة في كل شرك، فخرج ما عداه، من جار ونحوه، كما قال صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش، فدل على حصرها فيهم، والله أعلم
(1)
.
وأجيب عن الحديث بجوابين:
الجواب الأول:
ضعف ابن حزم الحديث جملة، قال:«قد جاء هذا الخبر من طريق أبي الزبير، عن جابر، وفيه: «لم يذكر فيه أبو الزبير سماعًا من جابر، وهو قد اعترف على نفسه بأن ما لم يذكر فيه سماعًا فإنه حدث به من لم يسمه عن جابر»
(2)
.
ويرد على هذا:
بأن مسلمًا قد أخرجه من طريقين، عن أبي الزبير، أحدهما: عن أبي خيثمة، عن أبي الزبير، ولم يذكر سماعًا.
والثاني: ابن جريج، عن أبي الزبير، رواه مسلم من طريقين عن ابن جريج أحدهما عبد الله بن إدريس، ولم يذكر سماعًا، والثاني عبد الله بن وهب، وقد صرح فيه أبو الزبير بالسماع من جابر، وقد نقلت كل هذه الطرق حين الاستدلال، والحمد لله.
وقد رواه الحميدي في مسنده من طريق سفيان ـ يعني ابن عيينة ـ قال: حدثنا أبو الزبير غير مرة ولا مرتين أنه سمع جابر بن عبد الله
(3)
.
(1)
انظر البرهان في أصول الفقه للجويني (1/ 318)، العناية شرح الهداية (13/ 424).
(2)
المحلى (8/ 12)، مسألة:1595.
(3)
مسند الحميدي (1272).
قلت هذا مع أن أبا الزبير ليس مدلسًا، وإنما على التسليم بأنه مدلس وأنه مكثر من التدليس فالعلة مندفعة
(1)
.
واللفظة التي يمكن أن تكون غير محفوظة في الحديث من طريق أبي الزبير، وهي محفوظة من حديث أبي سلمة عن جابر، وإعلالها لا يكون إعلالًا لجملة الحديث، هي لفظة (لم يقسم) في قوله:(في كل شرك لم يقسم) فلم يقل أحد في حديث أبي الزبير عن جابر (لم يقسم) إلا ابن إدريس، فيما رواه ابن جريج عنه.
قال الدارقطني: «لم يقل: (لم يقسم) في هذا الحديث إلا ابن إدريس، وهو من الثقات الحفاظ»
(2)
.
وكونه من الثقات الحفاظ لا يعني أنه لا يقع في خطأ أو وهم، ولم يسلم من ذلك أحد، ولا يقدح ذلك في الثقة حتى يكثر ذلك منه
(3)
، وقد روى الحديث هذا جمع عن ابن جريج، وهم من الحفاظ أيضًا، ولم يذكروا ما ذكره ابن إدريس، كما رواه جمع من الحفاظ عن أبي الزبير ولم يذكروا هذه اللفظة في حديثه، واتفاقهم على عدم ذكرها، ومخالفة ابن إدريس لهم دليل على وهمه وحفظهم
(4)
.
(1)
سنن الدارقطني (4/ 224).
(2)
سبق أن بينت في غير هذا الكتاب أن أبا الزبير بريء من التدليس.
(3)
قال الإمام أحمد في علل الحديث ومعرفة الرجال (1/ 164): «كان مالك من أثبت الناس، وقد كان يخطئ» .
وقد قال أحمد: أخطأ ابن عيينة في عشرين حديثًا من حديث الزهري، قال ذلك في مناظرة بينه وبين علي بن المديني، قال أحمد: فرجعت فنظرت فيما أخطأ فيه ابن عيينة فإذا هي أكثر من عشرين حديثًا. العلل ومعرفة الرجال (2/ 349).
(4)
فقد رواه جمع من الحفاظ عن ابن جريج، ولم يذكروا ما ذكره ابن إدريس، من هؤلاء الحفاظ: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الأول: حجاج بن محمد المصيصي، رواه أبو عوانة في مستخرجه (5529).
وحجاج بن محمد مقدم على كل أصحاب ابن جريج، قال يحيى بن معين قال لي المعلى الرازي: قد رأيت أصحاب ابن جريج بالبصرة ما رأيت فيهم أثبت من حجاج بن محمد، قال يحيى: وكنت أتعجب منه، فلما تبينت ذلك إذا هو كما قال، كان أثبتهم في ابن جريج. شرح علل الترمذي (2/ 682)
الثاني: الوليد بن مسلم، كما في صحيح ابن حبان (5178).
الثالث: عبد الرزاق، رواه في المصنف (14403).
الرابع: ابن وهب، رواه مسلم في صحيحه (1608)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 120).
الخامس: إسماعيل بن علية، أخرجه أحمد في مسنده (3/ 316)، وأبو داود (3513)، والنسائي في المجتبى (4646)، وفي السنن الكبرى (6242)، والبيهقي في السنن الكبرى (6/ 109).
السادس: سعيد بن سالم، رواه الشافعي عنه في اختلاف الحديث (ص: 535)، وفي مسنده (ص: 181)، ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 104) وفي المعرفة (4/ 488)، وحلية الأولياء (9/ 158) رواه بلفظ:(الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة) وقد انقلب عليه حديث أبي الزبير عن جابر، بحديث أبي سلمة عن جابر، فلا يعرف هذا اللفظ من حديث جابر إلا من رواية أبي سلمة، وسعيد بن المسيب، والله أعلم.
كما رواه جمع من الحفاظ عن أبي الزبير، ولم يذكروا ما ذكره ابن إدريس، من هؤلاء:
الأول: الثوري، كما في مصنف عبد الرزاق (14403)، ومصنف ابن أبي شيبة (4/ 519)، ومستخرج أبي عوانة (5527، 5528).
الثاني: سفيان بن عيينة، كما في مسند الإمام أحمد (3/ 307)، وسنن النسائي (المجتبى)(4700)، وسنن النسائي الكبرى (6299)، وسنن ابن ماجه (2492)، ومستخرج أبي عوانة (5524)، والمنتقى لابن الجارود (641). ومسند أبي يعلى (1835)، ومسند الحميدي (1272)، وفي رواية الحميدي قال سفيان: حدثنا أبو الزبير غير مرة و لا مرتين أنه سمع جابر ابن عبد الله.
الثالث: زهير بن معاوية، كما في صحيح مسلم (1608) وغيره.
الرابع: حجاج بن أرطأة، كما في مسند الإمام أحمد (3/ 310، 382).
الخامس: الأوزاعي، في المعجم الصغير (25)، والأوسط للطبراني (2220)، وتاريخ أصبهان لأبي نعيم (1/ 447).
فهؤلاء عشرة اتفقوا على عدم ذكر ما ذكره ابن إدريس، وإدخال الوهم عليه أقرب من إدخال الوهم على أصحاب ابن جريج، وفيهم أثبت أصحابه حجاج بن محمد، وأقرب من إدخال الوهم على أصحاب أبي الزبير أيضًا، وفيهم ابن عيينة، والثوري، وزهير بن معاوية، والله أعلم.