الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في اشتراط رضا المحال
[م-1109] تكلمنا في فصل سابق عن اشتراط رضا المحيل، فهل يشترط رضا المحال؟
اختلف الفقهاء في ذلك، وسبب اختلافهم: اختلافهم في الأمر بالحوالة الوارد في حديث أبي هريرة.
(ح-662) فقد روى الشيخان من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم، فإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع
(1)
.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاتباع إذا أحيل على مليء، واختلف العلماء هل الأمر للوجوب، أو للندب، أو للإباحة؟ على ثلاثة أقوال:
فمن قال: إن الأمر للوجوب لم يشترط رضا المحال، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، ومذهب الظاهرية، وبه قال أبو ثور، وابن جرير الطبري
(2)
.
ومن قال: إن الأمر ليس للوجوب اشترط رضاه، سواء قال: إن الأمر للإباحة كالحنفية وبعض المالكية، وبعض الشافعية
(3)
، أو قال: إن الأمر
(1)
البخاري (2287)، ومسلم (1564).
(2)
المغني (4/ 339)، المحلى، مسألة (1227).
(3)
حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (4/ 171)، فتح القدير (7/ 239)، البحر الرائق (6/ 269)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 234)، البهجة شرح التحفة (2/ 55)، الحاوي الكبير (6/ 418).
للندب، كالجمهور
(1)
.
جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: «رضا المحال له وقبوله شرط؛ لأن الدين حقه، والناس متفاوتون في إيفاء الدين»
(2)
.
وقال الدردير: «شرط صحة الحوالة رضا المحيل والمحال فقط، لا المحال عليه على المشهور»
(3)
.
وجاء في المهذب: «ولا تصح الحوالة من غير رضا المحتال؛ لأنه نقل حق من ذمة إلى غيرها، فلم يجز من غير رضا صاحب الحق، كما لو أراد أن يعطيه بالدين عينًا»
(4)
.
وجاء في شرح ميارة: «وأما رضا المحال فهو مبني على مذهب الجمهور من عدم وجوب قبول الحوالة، وأما على مذهب أهل الظاهر فلا؛ لوجوب ذلك عليه»
(5)
.
وقد ناقشت ولله الحمد أدلة الأقوال في مبحث مستقل تحت عنوان (الحكم التكليفي للحوالة) ورجحت أن الأمر ليس للوجوب، وإنما هو للندب، وذكرت القرائن الدالة على صرف الأمر إلى الاستحباب، فأغنى ذلك عن إعادته هنا،
(1)
المنتقى للباجي (5/ 66 - 67)، التمهيد لابن عبد البر (18/ 290)، إكمال المعلم بفوائد مسلم (5/ 234)، طرح التثريب (6/ 141)، فتح الباري (4/ 465)، عمدة القارئ (12/ 111).
(2)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (2/ 15)، وانظر حاشية ابن عابدين (5/ 341)،.
(3)
الشرح الكبير (3/ 325)، وانظر شرح الخرشي (6/ 16)، مواهب الجليل (5/ 90).
(4)
المهذب (1/ 338)، وانظر الحاوي الكبير (6/ 418)، الشرح الكبير للرافعي (10/ 337).
(5)
شرح ميارة (1/ 330).
وبالتالي يصح القول بأنه يشترط رضا المحال كما يشترط رضا المحيل على الصحيح؛ فعقد الحوالة عقد رضائي لابد فيه من الاتفاق بين المحيل والمحال، والله أعلم.
* * *