الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني فهل فيه شفعة؟ قال: هذا كله أوكد؛ لأن خليطة الشريك أحق به بالثمن، فإذا عرضه على شريكه، وإلا باعه بعد ذلك»
(1)
.
الدليل السابع:
الأصل أن من اشترى شيئًا بعقد صحيح فقد ملك، ومن ملك ملكًا صحيحًا فلا يجوز انتزاع ماله من يده إلا برضاه أو حجة قاطعة، وإلا كان من أكل أموال الناس بالباطل، ولا يجوز للشريك أن يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري، وذلك بإبطال ملك المشتري، فليس لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغيره، وإنما تركنا هذا الأصل في العقار والأرض لثبوت النص فيه، وأما الآثار المتضمنة لثبوت الشفعة في المنقول فضعيفة معلولة، والشفعة إنما ثبتت في العقار على خلاف القياس فلا يجوز إلحاق غير العقار بالعقار؛ لأن المنقول ليس في معنى العقار؛ وذلك لأن الشفعة إنما شرعت لدفع ضرر الشريك على الدوام، وما ينقل ويحول لا يدوم الضرر فيه كما يدوم في العقار؛ لأن المنقول يشترى للبيع عادة ولمصلحة المعاش، ثم يخرجه عن ملكه إذا قضى وطره، وليس كذلك العقار
(2)
.
وأجيب عن هذا:
أولًا: إنما كان الأصل عدم انتزاع ملك الإنسان إلا برضاه لما فيه من الظلم له والإضرار به، فأما ما لا يتضمن ظلمًا ولا إضرارًا، بل مصلحته محفوظة وذلك بإعطائه كامل الثمن، في الوقت الذي يدفع الشريك ضرر الشركة عنه،
(1)
إعلام الموقعين (2/ 140)، وإن كان في النفس شيء مما رواه حنبل عن أحمد مخالفًا لغيره، فقد جاء في مسائل أحمد من رواية ابنه عبد الله (1294):«قال أبي: ولا أرى الشفعة إلا في الدور والأرضين، وليس فيما سوى ذلك شفعة» .
(2)
انظر التمهيد لابن عبد البر (7/ 50 - 51)، وتبيين الحقائق (5/ 252).
فليس الأصل عدمه، بل هو مقتضى أصول الشريعة فإن أصول الشريعة تأبى إلحاق الضرر بالشريك، خاصة أن حق شراكته سابقة ملك المشتري، وقد دخل المشتري وهو يعلم أن المال فيه شراكة، فإذا باع شريك نصيبه على غير شريكه، مع رغبة الشريك بالشراء، فإن هذا قد يلحق ضررًا كبيرًا بالشريك، ومن تأمل مصادر الشريعة ومواردها تبين له أن الشارع لا يُمَكِّن هذا الشريك من نقل نصيبه إلى غير شريكه، وأن يلحق به من الضرر مثل ما كان عليه أو أزيد منه، مع أنه لا مصلحة له في ذلك.
ثانيًا: لا يسلم بأن الشفعة ثبتت على خلاف القياس، بل القياس الصحيح يقتضيها، فإن حكمة الشارع اقتضت رفع الضرر عن المكلفين ما أمكن، فإن لم يمكن رفعه إلا بضرر أعظم منه تركه على حاله، وإن أمكن رفعه بالتزام ضرر دونه رفعه به، ولما كانت الشركة منشأ الضرر في الغالب لأن الخلطاء يكثر فيهم بغي بعضهم على بعض، كما قال تعالى:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} [ص: 24] لذلك شرع الله سبحانه وتعالى رفع هذا الضرر: بالقسمة تارة وانفراد كل شريك بنصيبه، وبالشفعة تارة، وانفراد أحد الشريكين بالجملة إذا لم يكن على الآخر ضرر في ذلك، فإذا أراد بيع نصيبه، وأخذ عوضه كان شريكه أحق به من الأجنبي، وهو يصل إلى غرضه من العوض من أيهما كان، فكان الشريك أحق بدفع العوض من الأجنبي، ويزول عنه ضرر الشركة، ولا يتضرر البائع؛ لأنه يصل إلى حقه من الثمن، وكان هذا من أعظم العدل وأحسن الأحكام المطابقة للعقول والفطر ومصالح العباد، وبهذا يتبين أن القياس الصحيح يدل على ثبوت الشفعة وأنه ليس في الشريعة ما يخالف القياس
(1)
.
(1)
انظر إعلام الموقعين (2/ 142)، المبسوط (14/ 90).