الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراوي عنه (محمد بن عبد الله) ، كان قد انقدح في النفس أنه لعله (ابن أبي سبرة) ، القاضي المشهور بكنيته (أبو بكر بن أبي سبرة) المتهم بالوضع، لأنه من هذه الطبقة، وهو مدني كالراوي عنه (حاتم بن إسماعيل) ، لكني لما لم أجد أنهم ذكروه في الرواة عنه، توقفت، وإن كنت أرى أن النكارة التي في الحديث لا تليق إلا بمثله، بيد أنني استمررت في البحث حتى وجدت الحافظ المزي قد ذكر في ترجمة (محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد
…
التيمي المدني) أن (حاتم ابن إسماعيل) قد روى عنه، فغلب على ظني أنه هو، وهو ثقة، كما بينته في " الصحيحة" تحت الحديث (913) .
وانما حكمت على الزيادة بالنكارة، لتفرد هذا الوجه الضعيف به، ولمخالفته لسائر الأحاديث الواردة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة جداً، أُلفت فيها مؤلفات معروفة، لم ترد فيها هذه الزيادة.
ومن هنا يظهر جهل المعلقين الثلاثة على " الترغيب "(2/ 492)، فإنهم مع تصديرهم التعليق بقولهم:" ضعيف"، فقد قالوا:
" ولمتنه شواهد "!
وهذا مع مناقضته للتصدير المذكور، فإنه يخالف الواقع، كما شرحت آنفاً، ولو كانوا يكتبون بعلم، كان تصديرهم بالتحسين إذا كانوا مُعتَدَّين بما أشاروا إليه من الشواهد، أو أن يعقبوا عليها بما يشعر أنه لا يعتد بها! حتى لا يناقض ما صدروا.
6626
- (من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم [واحدة] ، صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة، فليُقلَّ عبد من ذلك أو ليُكثر) .
منكر بلفظ: " سبعين".
أخرجه أحمد (2/ 172) : حدثنا يحيى بن
إسحاق: حدثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هُبيرة عن عبد الرحمن بن مُربح الخولاني قال: سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول
…
فذكره.
ثم قال أحمد (2/ 187) : حدثنا حسن بن موسى: حدثنا ابن لهيعة به، إلا أنه قال:
"عن ابن مريح مولى عبد الله بن عمرو أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول
…
"
فذكره موقوفاً، كالذي قبله، وفيه الزيادة، ودون قوله: " فليقل
…
".
قلت: كذا قال في هذه الرواية، أسقط (أبا قيس مولى عمرو بن العاص) كما أسقط اسم (ابن مريح) ، وجعله مولى عبد الله بن عمرو، وهو في الرواية الأولى مولى أبيه (عمرو بن العاص) ، وهذا كله من تخاليط ابن لهيعة، وسوء
حفظه الذي طرأ عليه بعد احتراق كتبه.
ويحيى بن إسحاق وحسن بن موسى: لم يذكرهما أحد - فيما علمت - فيمن روى عنه قبل احتراق كتبه، كالعبادلة الذين صرح بعض الحفاظ بصحة حديثهم
عنه - كما ذكرنا ذلك مراراً في غير ما موضع -.
وإن من تخاليط ابن لهيعة: قوله في هذا الحديث:
" صلى الله عليه وملاثكته سبعين صلاة "!
فإن المحفوظ في سائر الأحاديث "
…
صلى الله عليه بها عشراً،. وهو بهذا العدد يكاد يكون متواتراً، فقد جاء من حديث:
1 -
أبي هريرة.
2 -
وأنس بن مالك.
3 -
وعمر بن الخطاب.
4 -
وعبد الرحمن بن عوف
5 -
وعمار بن ياسر.
6 -
وعمير البدري.
7 -
وعبد الله بن عمرو أيضاً.
8 -
ويعقوب بن زيد التيمي مرسلاً. وغيرهم.
وهي مخرجة في كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فانظرها - مثلاً - في " جلاء
الأفهام " لابن القيم (ص 17، 25، 28 - 31، 33، 0 4، 55، 61، 62، 64، 65) . وأصحها حديث أبي هريرة، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1369) ، وحديث ابن عمرو، وهو مخرج في " الإرواء " (1/ 259/ 242) ، و" صحيح أبي داود " (536) ، وفي رواة حديثه ابن لهيعة.. متابع عند أبي داود.
من أجل ذلك كله؛ لم تطمئن النفس لقول المنذري في " الترغيب "(2/ 279) :
" رواه أحمد بإسناد حسن ".
وإن تبعه الهيثمي (10/ 160) ، والسخاوي في " القول البديع "(ص 77) ، وأحمد شاكر في تعليقه على " المسند "(15/ 141) ، ومن ليس في العير ولا في النفير! أمثال المعلقين الثلاثة على " الترغيب "(2/ 493) .
ولم يقنع الشيخ أحمد رحمه الله بالتحسين فقط؛ بل رأيته قد صرح في تعليقه على الموضع الثاني من "المسند " فقال (11/ 39) :
" إسناده صحيح "!
وما هذا وذاك منه إلا على قاعدته التي أقامها على الاعتداد بابن لهيعة، وتقويته لحديثه، غير آبه بما عليه الحفاظ المحققون من التفريق بين ما رواه العبادلة، وما رواه غيرهم عنه؛ فضلاً عن أقوال الحفاظ الآخرين الذين أطلقوا القول في تضعيفه، ووصفوه بالتخليط في حديثه! وقال الحافظ الذهبي النقاد في ترجمته
من "تاريخ الإسلام"(11/ 224) :
"قلت: ومناكيره جمة، ومن أردئها
…
".
ثم ساق له الحديث الآتي عقب هذا:
" ادعوا لي أخي
…
". في فضل علي رضي الله عنه.
وقال الحافظ في آخر ترجمته من " التهذيب":
" ومن أشنع ما رواه ابن لهيعة: ما أخرجه الحاكم في "المستدرك " من طريقه عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب.
انتهى. وهذا مما يقطع ببطلانه؛ لما ثبت في " الصحيح " أنه قال؛ لما لدوه:
"لم فعلتم هذا؟ ". قالوا: خشينا أن يكون بك ذات الجنب، فقال:
" ما كان الله ليسلطها علي ". وإسناد الحاكم إلى ابن لهيعة صحيح، والآفة فيه من ابن لهيعة، فكأنه دخل عليه حديث في حديث ".
قلت: والحاكم نفسه حينما أخرجه (4/ 405) ؛ إنما رواه ليبين وهاءه - على خلاف عادته -؛ فإنه قال:
" إسناده واه ". وأيده الذهبي بقوله:
"لم يصح ".
ذكر ذلك عقب الحديث الصحيح الذي ذكره الحافظ، وهو مخرج في "الصحيحة" برقم (3339) .
وحديث ابن لهيعة: رواه أيضاً أبو يعلى (8/ 258)، والطبراني في " المعجم الأوسط " (9/ 441 - 442) وقال:
" لم يروه عن أبي الأسود إلا ابن لهيعة ".
قلت: وبه أعله الهيثمي (9/ 34) ؛ فقال:
" وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف ".
(تنبيه) : قول الحافظ المتقدم: " ثبت في الصحيح " يوهم - في الاصطلاح العام - أنه في " الصحيحين " أو أحدهما، وليس كذلك!،انما أخرجا أصله، وليس فيه قوله صلى الله عليه وسلم:
" ما كان الله ليسلطها علي ".
ولذلك خرجه الحافظ في "الفتح "(8/ 148) من رواية ابن سعد وغيره نحوه، وقد وقع في هذا الوهم صراحة المعلق على " مسند أبي يعلى "(8/ 354) فعزاه لـ " الصحيحين " وغيرهما! - كما ستراه في " الصحيحة " إن شاء الله تعالى -.