الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" كتبت عنه بالمدينة، وقيل لي: إنه يتكلم فيه ". وأما ابن حبان؛ فذكره في " الثقات "(8/ 367) وقال:
" يخطئ ويخالف ". وذكره الحافظ في كنى " التهذيب" تمييزاً:
" أبو علقمة الفروي الصغير: عبد الله بن هارون
…
"، وذكر فيه ما قدمته عن الحفاظ الثلاثة، وزاد:
" وقال الدارقطني في "غرائب مالك ": متروك الحديث ". ولخص ذلك كله في " التقريب "بقوله:
"ضعيف ".
قلت: فالعجب بعد هذا كله قول الحافظ المنذري في " الترغيب "(2/ 191/3 1) - وتبعه الهيثمي (3/ 273) -:
" رواه الطبراني بإسناد حسن "!
وقلدهما المعلقون الثلاثة (2/ 287/ 2035) فحسنوه! ولا غرابة في ذلك؛ فإنهم لا يحسنون حتى التقليد، فكثيراً ما يخالفونهما والصواب معهما ا!
6640
- (ما أذن اللهُ لشيءٍ كأَذَنهِ لرجل حَسَنِ الترنم بالقرآن) .
منكر بلفظ (الترنم) .
أخرجه ابن عدي في " الكامل "(6/ 261) من طريق محمد بن أبي حفصة: ثنا عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً:
أورده في ترجمة (محمد) هذا، واسم أبيه (ميسرة) ، وروى فيه عن ابن معين روايتين مختلفتين، قال في إحداهما:
"صويلح، ليس بالقوي،. والأخرى:
"ثقة".
وتبنى هو الرواية الأولى؛ فإنه بعد أن ساق له أحاديث مما أنكر عليه - هذا أحد ها - قال:
"وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم ". وذكر الذهبي الخلاف فيه في
" الميزان "، وقال:
"فيه شيء، ولهذا وثقه ابن معين مرة، وقال مرة: صالح. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال مرة: ضعيف.. " إلخ.
ثم ساق له هذا الحديث مشيراً إلى نكارته. وقال الحافظ في " التقريب ":
"صدوق يخطئ".
ويتلخص مما تقدم أنه وسط، والأصل في مثله أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، ولم يكن فيه ما ينكر، والواقع هنا خلافه؛ فقد خولف في إسناده ومتنه.
أما الإسناد؛ فقال ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي سلمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره هكذا مرسلاً لم يذكر فيه أبا هريرة.
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف"(10/ 464/ 9992) ، وكذا عبد الرزاق (2/ 482/ 69 1 4) ؛ كلاهما عن ابن عيينة.
وتابعه عنده (4168) ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار به.
فهذا يؤكد خطأ (محمد بن أبي حفصة) في ذكره (أبا هريرة) فيه، ويبين
أن الصواب مرسل.
وأما المتن؛ فقد رواه أربعة من الثقات؛ منهم الإمام الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" يتغنى" مكان: "يترنم ".
رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " صفة الصلاة/ الأصل "، و "صحيح أبي داود "(1324) .
وقد وجدت للحديث شاهدين، ولكنهما واهيان جداً، فرأيت أنه لا بد من ذكرهما، والكشف عن علتهما؛ خشية أن يغتر بهما من لا علم عنده، فأقول:
أحدهما: يرويه إبراهيم بن أبي حميد: حدثنا عبد العظيم بن حبيب الحمصي: حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن علي بن حسين عن أبيه عن جده مرفوعاً:
"ما أذن الله لشيء قط أذَنه للحسن الترنم بالقرآن ".
أخرجه ابن عدي في " الكامل"(1/ 271) في ترجمة إبراهيم هذا، وسمى أباه (أحمد بن عبد الكريم الحراني الضرير)، وقال:
"سمعت أبا عروبة يقول: كان يضع الحديث ".
واعتمده الذهبي في " الميزان "، والحافظ في " اللسان ".
وعبد العظيم بن حبيب الحمصي؛ قال الذهبي:
"قال الدارقطني: ليس بثقة ".
ثم ساق له الذهبي حديثاً، وقال:
" إنه من بلاياه". وأقره الحافظ في " اللسان ".
وإن من عجائب وغرائب ابن حبان أنه أورد (عبد العظيم) هذا في " الثقات"(8/ 424) من رواية إبراهيم بن أبي حميد هذا!
وهذا مما يؤكد المعروف عنه، أنه يوثق المجهولين الذين لا يعرفهم، وأن هذا يجعلنا لا نثق بتوثيقه الذي تفرد به، ولا يعرف من وثقه إلا بالراوي الواحد الذي ذكره. وقد ذكر (عبد العظيم) هذا نفسه دون نسبة (الفهري) من رواية سليمان ابن سلمة الخبائري، وقال عقبه:
" إن لم يكن الأول فلا أدري من هو؟ ".
قلت: ويقال فيه ما قلت في الأول، فإن (الحبائري) هذا متروك، ومع ذلك لم يعرفه، كما لم يعرف (إبراهيم بن أبي حميد) ، وإلا؛ لأوردهما في "الضعفاء "!
والآخر: يرويه سليمان بن داود الشاذكوني: حدثنا داود بن أبي سليمان عن علي بن زيد عن محمد بن المنكدرعن جابر بن عبد الله مرفوعاً - مختصراً -
بلفظ:
" إن الله لم يأذن كأَذَنه للمترنم بالقرآن ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأ وسط "(8/ 207/ 7425) وقال:
" لم يروه عن علي بن زيد إلا داود بن أبي سليمان، تفرد به الشاذكوني ".
قلت: وهو كذاب، كما قال الهيثمي في " مجمع الزوائد "(7/ 170) .
وداود بن أبي سليمان؛ لم أعرفه.
وعلي بن زيد؛ هو: ابن جدعان، ضعيف.
وجملة القول؛ أن الحديث منكر بلفظ: " الترنم "، وأن هذين الشاهدين لا يعطيانه قوة، وأنه محفوظ صحيح بلفظ:" التغني ". وبالله التوفيق.
وهنا تنبيهات لا بد من ذكرها:
الأول: أن الحديث أورد منه الحافظ في " الفتح"(9/ 71) جملة: " حسن الترنم بالقرآن" من تخريج ابن أبي داود، والطحاوي من رواية عمرو بن دينار عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وسكت عنه! وما أظن إلا أنه من طريق (محمد بن
أبي حفصة) ؛ وقد عرفت ما فيه.
وأورده أيضاً من تخريج الطبري من رواية عبد الأعلى عن معمر عن ابن شهاب في حديث الباب (يعني: حديث البخاري من طريق عقيل عنه) بلفظ:
" ما أذن لنبي في الترنم في القرآن ".
وسكت عنه أيضاً، وذكره المنذري في " الترغيب "(2/ 215) بنحوه، وقال:
" رواه الطبري بإسناد صحيح "!
وفي هذا التصحيح والسكوت نظر قوي عندي؛ لأن (معمراً) - وإن كان ثقة ومن رجال الشيخين؛ فقد - تكلموا فيما حدث به بالبصرة، وقالوا: انه حدث من حفظه بالبصرة بأحاديث غلط فيها. ولذلك قال الحافظ في " مقدمة الفتح "(ص 444 -445) :
" لم يخرج له البخاري من رواية أهل البصرة عنه؛ إلا ما توبعوا عليه عنه ".
قلت: وهذا من رواية أهل البصرة عنه؛ فإن (عبد الأعلى) - وهو: ابن عبد الأعلى السامي - بصري.
يضاف إلى ذلك مخالفته لرواية الجماعة عن الزهري، منهم عقيل - كما تقدم عند البخاري -، وثلاثة آخرون عند مسلم وحده، وغيرهم عند غيره، كلهم لم يذكروا لفظ: الترنم عن الزهري.
وإن مما يؤكد خطأ معمر فيه: أن عبد الرزاق قد رواه في " مصنفه "(2/ 481 - 482) عن معمر بلفظ الجماعة: "يتغنى " ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (2/ 271) .
فثبت يقيناً شذوذ رواية الطبري هذه وعدم صحتها. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى أقوم الطريق.
الثاني: أن حديث الطبراني في " الأوسط " عزاه إليه في " المجمع " بلفظ:
" إن الله لم يأذن لمترنم بالقرآن ".
فسقط منه قوله: " كأذنه "؛ ففسد المعنى؛ كما هو ظاهر بغض النظر عن النكارة التي فيه، والضعف الشديد الذي في إسناده.
وقد كنت أوردته فيما تقدم برقم (561) هكذا نقلاً عن " المجمع " منذ عشرات السنين، قبل أن يطبع " المعجم الأوسط "، فلما وقفت عليه فيه؛ بادرت إلى تخريجه هنا، والتنبيه على السقط المذكور.