الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبراني وأبي نعيم من فوق ابن لهيعة، هو منه أو من ابن لهيعة؟ فإنه رواه عن شيخ آخر بإسناده عن عائشة، فجعله من مسند عائشة، وهو عند الطبراني بإسناده المذكور عن ابن عباس، أم هو خطأ من الطبراني أو ناسخه، كما أخطأ في اسم شيخه كما تقدم؟ ذلك مما يحتاج إلى مزيد من التحقيق، وليس لدي الآن إلا ما ذكرت. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وهناك خلاف آخر بين الكتابين في متن الحديث، فإنه هنا بلفظ:
"إذا قرأ يتحزن". وعند أبي نعيم بلفظ:
"إذا قرأ، رُئيت أنه يخشى الله".
وهذا أرجح عندي لمجيئه من طريق أخرى عن طاوس وغيره عن ابن عباس، ولذلك كنت خرجته في "الصحيحة"(1583) ، واعتمدته في "صفة الصلاة".
6513
- (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وحاد يحدو: طاف الخيالان فهاجا سقما
…
خيال تكنى وخيال تكتما قامت تريك خشية أن تصرما
…
ساقا بخنداة وكعبا أدرما والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينكر ذلك) .
منكر. أخرجه ابن عدي في "الكامل"(3/180)، وابن عساكر في "التاريخ" (6/286) من طريق عمر بن شبّة أبي زيد: حدثني أبو حرب البناني - رجل من حمير من آل حجاج بن باب (وفي التاريخ: ثابت) -: ثنا
يونس بن حبيب عن رؤبة بن العجاج عن أبيه عن أبي الشعثاء عن أبي هريرة
قال:
…
فذكره. وقال أبو زيد:
" وهذا خطأ، إن الشعر للعجاج، والعجاج إنما قال الشعر بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بدهر طويل، إلا أن أبا عبيدة قال: قد قال العجاج من رجزه في الجاهلية".
قلت: وهذا إسناد مظلم مسلسل بالمجهولين:
الأول: العجاج والد رؤية، لا يعرف إلا برواية ابنه هذا، ومع ذلك ذكره ابن حبان في "الثقات"(5/287) ، مع أن ابنه لا يعرف - كما يأتي -.
الثاني: رؤبة بن عجاج، فهو وإن كان معروفا أكثر من أبيه، فقد روى عنهجماعة من الثقات، لكن يبدو من ترجمته المطولة في "كامل بن عدي"(3/179 -182) ، و "تاريخ ابن عساكر"(6/284 -292) أن شهرته إنما هي في
روايته للشعر، ونظمه إياه، وليس في الحديث، بدليل أنهم لم يذكروا له إلا هذا الحديث، بل صرح ابن عدي بأنه ليس له غيره، وأشار إلى ذلك العقيلي، فإنه قال عقب هذا الحديث من طريق أخرى عنه - كما يأتي -:
"كان شاعراً، ليس له رواية يختبر بها". ولذلك قال الحافظ في "التقريب":
"ليّن الحديث". وأما ابن حبان فذكره أيضاً في "الثقات"(6/310) !
الثالث: أبو حرب البناني، لم أجد له ترجمة.
وقد خالفه في إسناده ومتنه معمر بن المثنى أبو المثنى فقال: عن رؤبة بن العجاج عن أبيه قال:
أنشدت أبا هريرة هذه القصيدة التي فيها:
"وكعباً أدرما". فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه نحو هذا من الشعر، أولها:
طاف الخيالان فهاجا سقماً.
أخرجه العقيلي (2/65) ، والبزار (3/7/2111) ، وابن عدي (3/
179) ، وابن عساكر (6/285)، وقال العقيلي:
"لا يتابع عليه". يعني: رؤبة بن العجاج.
ومعمر بن المثنى، صدوق أخباري، ووثقه الذهبي، فرواية هذا أرجح من رواية أبي حرب المجهول - كما لا يخفى -، ولذلك خطّأ روايته عمر بن شبّة - وهو صدوق مصنف -. وخَطَّؤُه في الإسناد: أنه أدخل (أبا الشعثاء) بين العجاج وأبي هريرة.
وأما خطؤه في المتن، فهو أنه زعم أن الحادي أنشد البيتين بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم ينكر ذلك. ورواية معمر أن الإنشاد كان بحضرة أبي هريرة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أقرب، ومع ذلك فهو منكر عندي، لتفرد رؤبة عن أبيه به.
ولقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث: أنني رأيت ابن الجوزي قد ساقه مساق المسلمات، في رده على محمد بن طاهر المقدسي، في كتابه "تلبيس إبليس" فقال (ص 355) :
"وقال ابن طاهر: (باب الدليل على استماع الغزل) ، قال العجاج: سألت أبا هريرة رضي الله عنه: طاف الخيالان فهاجا سقماً؟ فقال أبو هريرة رضي الله عنه: كان يُنشَد مقل هذا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قلت: فرد عليه ابن الجوزي بقوله:
"فانظر إلى ابن طاهر ما أعجبه! كيف يحترج على جواز الغناء بإنشاد الشعر!
وما مثله إلا كمثل من قال: يجوز أن يضرب بالكف على ظهر العود، فجاز أن يضرب بأوتاره! أو قال: يجوز أن يعصر العنب ويشرب منه في يومه، فجاز أن يشرب منه بعد أيام! وقد نسي أن إنشاد الشعر لا يطرب كما يطرب الغناء! ".
وهذا رد صحيح، ولكن سكوته عن تضعيفه للحديث يوهم عامة القراء أنه صحيح، ولا سيما وقد ذكره عقب حديث استنشاده صلى الله عليه وسلم الشريد من شعر (أمية)
وهو في "صحيح مسلم"، ولذلك فقد أحسن الأخ علي الحلبي بحذفه إياه من كتابه "المنتقى النفيس من [كتاب] تلبيس إبليس".
(فائدة) : في رواية لابن عساكر قال عثمان بن الهيثم:
سألت رؤبة: ما (بخنداة) ؟ قال: الصوت الذي لعص (كذا) عليها الخلخال.
ثلت: هكذا وقعت في (لعص) مهملة فلم أفهمها، ولا وجدت ما يدل على معنى الجملة ذاتها. فقد قال ابن الأثير:
" (البخنْداة) : التامة القصب الريا".
وقي "القاموس" و "شرحه":
"و (القصب) محركة - أيضاً - عظام الأصابع من اليدين والرجلين، وامرأة تامة القصب، وهو مجاز".
(تنبيه) : الحديث عند البزار هكذا: حدثنا رفيع بن سلمة: ثنا معمر بن المثنى
…
إلخ. وهو في "مجمع الزوائد"(8/128) هكذا:
"رواه الطبراني عن شيخه رفيع بن سلمة، ولم أعرفه. وبقية رجاله ثقات".