الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" يفتعل الحديث، وهو مما لا يفرح بحديثه ".
وعلى ذلك؛ فقد بقي الحديث على الضعف الذي صرح به الحافظ العراقي.
أملى هذا التخريج المؤلف على ابنته (أم عبد الله) في 17 رمضان 1418 هـ في مرضه الشديد الذي يرجو الله تبارك وتعالى أن يعافيه معافاة تامة، ويعود إلى أحسن ما كان عليه من نشاطه العلمي السابق، فإن وجد في هذا الإملاء خطأ علمي؛ فلا غرابة في ذلك، فالأمر كما قال عليه السلام: "كل بني آدم خطاء
…
"، فكيف والمملي في مرضه الشديد، والله عز وجل يقول: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريضة حرج
…
} .
6936
- (ما ألهاك عن ذكر الله تعالى؛ فهو مَيْسِر) .
باطل لا أصل له.
حتى ولا في الأحاديث الموضوعة، وهو من الأحاديث الكثيرة التي سوّد بها الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي الصوفي دون أن يعزوها إلى مصدر من كتب السنة -، ولو كانت تروي ما هب ودب من الأحاديث الموضوعة والمنكرة -؛ يؤيد بها في كتابه " إيضاح الدلالات في سماع الآلات " إباحة سماع آلات الطرب مهما تعددت أنواعها واختلفت أصواتها؛ إذا كانت النية طيبة! وقد كرر ذلك في غير ما موضع من كتابه المذكور، ومن أجمعها قوله (ص 130 إلى ص 133) :
" أما حكم الله تعالى في هذه المسألة - التي هي مسألة سماع الآلات المطربات يالنغمات الطيبات - مطلقاً على مقتضى ما قدمناه من الأقسام، فإن اقترنت هذه الآلات، وهذا السماع المذكور بأنواعه بالخمر أو الزنى أو اللواط أو دواعي ذلك - من المس بشهوة والتقبيل أو النظر بشهوة لغير الزوجة والأمة، أو لم يكن شيء من ذلك
في المجلس، بل كان في المقصد والنية الشهوات المحرمة، بأن تصور في نفسه شيئاً من ذلك واستحسن أن يكون موجوداً في المجلس -؛ فهذا السماع حرام حينئذٍ على كل من سمعه بعينه بحقه هو في نفسه باعتبار قصده هو ونيته؛ لأنه داعٍ في حقه إلى الوقوع ". ثم قال:
"هذا مقدار ما يحرم من سماع الآلات المطربة والنغمات الطيبة؛ لما يترتب على ذلك من الوقوع في المحرمات العينية، لا لعين ذلك السماع في نفسه.
وأما المباح في ذلك فهو إذا كان المجلس خالياً من الخمر والزنى واللواط، والمس بشهوة، والتقبيل والنظر بشهوة لغير الزوجة والأمة، وكان لذلك السامع قصد حسن ونية صالحة وباطن نظيف طاهر من الهجوم على الشهوات المحرمة - كشهوة الزنى أو اللواط أو شرب الخمر أو شيء من المسكرات أو المخدرات -، وكان قادراً على ضبط
قلبه وحفظ خاطره، من أن يخطر فيه شيء مما حرمه الله عليه، واذا خطر؛ يقدر على دفعه من قلبه، وغسل خاطره منه في الحال، ولا يضره تكرر وقوع ذلك في القلب بعد أن يكون مراقباً للامتناع من قبوله؛ فإنه يجوز له أن يسمع هذا السماع المذكور حينئذ بأنواعه كلها، ولا يحرم عليه شيء من ذلك، ولا يكره له ما دام موصوفاً بما ذكرناه؛ لأنه طاهر نظيف حينئذ في ظاهره وباطنه، فلا يوقعه السماع المذكورفي شيء مما نهى الله تعالى عنه؛ فهو مباح له، وان لم يكن من أهل المعرفة بالله تعالى وبتجلياته، بأن كان عامياً جاهلاً غافلاً، أو كان عالماً. محجوباً بعلمه عن
شهود معلومه.
وأما إذا كان من أهل المعرفة والشهود - فلا تخلو الأرض منهم في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة، وإن أنكرته أهل الغفلة؛ لانطماس البصائر وفقد اليقين -؛ من القلوب - فيصير السماع المذكور حينئذ في حقه مستحباً، مندوباً إليه يثاب
عليه، لاستفادته منه الحقائق الإلهية، والمعارف الربانية، وفهمه به للمعاني التوحيدية، والإشارات الربانية ".
قلت: وهو شديد التحريف لنصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف، والفقهاء القائلين بتحريم آلات الطرب؛ دون التفصيل الذي ذهب إليه، وهو فيه مقلد للشيخ محمد الغزالي، وقد رد عليه العلماء رداً قضوا على هذه الضلالة، كما تراه مبسوطاً في كتابي المسمى بـ" تحريم آلات الطرب" أو " الرد بالوحيين وأقوال أئمتنا على ابن حزم ومقلديه المبيحين للمعازف والغنا وعلى الصوفيين الذين اتخذوه قربة وديناً "(ص 158 - 178) .
ولقد اغتر بهذه الرسالة - وما فيها من تحريف النصوص - كثير من مشايخ الطرق وغيرهم؛ الذين يضربون على الدفوف، وربما على الناي في حلقات ذكرهم؛ بل لقد كان منهم الشيخ محمد الغزالي المعاصر الذي توفي قريباً؛ فإنه كان يستمع لأغاني (أم كلثوم) و (فيروز) ، لكن بنية حسنة - كما بينت ذلك في كتابي المذكور (ص 177 - 178) -!
ومثله ذلك الطالب الذي كنت ذكرت قصته في المصدر المذكور آنفاً (ص 176 - 177) وخلاصتها أنه كان يستمع إلى أغاني (أم كلثوم) وهو يسبح الله تعالى! (زعم)، فلما أنكرت عليه جمعه بين التسبيح المشروع والاستماع للغناء الممنوع عند الفقهاء؛ أجاب بأنه:
"يتذكر غناء الحور العين"!!
ولقد ساءني جداً أن أحدَ من اشتهر في هذه الأيام أنه من خطباء السلفيين في دمشق - وهو المدعو: (أحمد راتب حموش) - قام بتحقيق كتاب النابلسي
هذا، وليس فيه شيء من التحقيق سوى النقل؛ بل مر على كل تحريفات المؤلف ودعاويه الباطلة، وتحقيره للفقهاء المخالفين لهواه، فيكثر من وصفهم بـ "الفقهاء الجهلة "؛ في الوقت الذي كتم النقول الصحيحة عن الأئمة في تحريم آلات الطرب إلا الدف، - كما تراه مفصلاً في كتابي المشار إليه آنفاً -، فقال (حموش) في آخر مقدمته لكتاب النابلسي (ص 12) :
" وسواء اتفقنا مع المؤلف في الرأي أم خالفناه؛ فإن في عرضه الوافي للحجج والأدلة والبراهين ما ينير لنا السبيل، ويجعل كلاً منا يعتمد رأياً يعتقده، ويميز فيه بين الغث والسمين "!
وهذا كلام هش.. إنما هو غثاء كغثاء السيل، لا غَناء فيه؛ فمن الذي يستطيع أن يميز بين الحجج الواهية والأدلة القوية ليتبين بها السبيل، ولا أعتقد أن سلفياً - مهما كانت سويته العلمية منحطة - يسمح لنفسه أن يميع الحق الجلي الواضح بمثل هذه العبارة، وظني أن كاتبها إنما علق على هذا الكتاب قبل أن يتعرف على الدعوة السلفية، وإلا؛ كيف يقبل هذا الكاتب من المؤلف تحقيره للفقهاء - كما سبقت الإشارة إليه -؟! وفيهم إبراهيم بن محمد الحنفي المتوفي سنة 956 هـ، وهو من كبار محققي علماء الحنفية، ومن كتبه " الرهص والوقص لمستحل الرقص "،
ولا بد أن الشيخ النابلسي الحنفي (!) كاذ قد وقف على هذا الكتاب؛ لأنه كان متقدماً على النابلسي بأكثر من قرن - كما يتبين ذلك من تاريخ وفاتيهما -، و"الرهص " هذا في الحقيقة من أحسن ما ألف في الرد على هؤلاء الصوفية الأَكلة الرَّقصَة من عالم فاضل مشهور بمؤلفاته، ومنها كتابه " منية المصلي " وهو من أحسن كتب الحنفية المختصرة؛ لأنه يذكر فيه أدلة المسائل من الكتاب والسنة، فهو في هذا مثل " منار السبيل " في كتب الحنابلة الذي كنت خرجت أحاديثه قديماً