الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7129
- (إني رأيت البارحة عجباً:
1 -
رأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءه
وضوءه فاستنقذه من ذلك.
2 -
ورأيت رجلا من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر فجاءته
صلاته فاستنقذته من ذلك.
3 -
ورأيت رجلا من أمتي احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله
فخلصه منهم.
4 -
ورأيت رجلا من أمتي يلهث عطشا فجاءه صيام رمضان فسقاه.
5 -
ورأيت رجلا من أمتي من بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة
وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة
فجاءته حجته وعمرته فاستخرجاه من الظلمة.
6 -
ورأيت رجلا من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه
بره لوالديه فرده عنه.
7 -
ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلة
الرحم فقالت: إن هذا كان واصلا لرحمه. فكلمهم وكلموه
وصار معهم.
8 -
ورأيت رجلا من أمتي يأتي النبيين وهم حلق حلق كلما مر على
حلقة طرد فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده فأجلسه إلى جنبي.
9 -
ورأيت رجلا من أمتي يتقي وهج النار بيديه عن وجهه فجاءته
صدقته فصارت ظلا على رأسه وسترا عن وجهه.
10 -
ورأيت رجلا من أمتي جاءته زبانية العذاب فجاءه أمره
بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من ذلك.
11 -
ورأيت رجلا من أمتي هوى في النار فجاءته دموعه اللاتي
بكى بها في الدنيا من خشية الله فأخرجته من النار.
12 -
ورأيت رجلا من أمتي قد هوت صحيفته إلى شماله فجاءه
خوفه من الله تعالى فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه.
13 -
ورأيت رجلا من أمتي قد خف ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا
ميزانه.
14 -
ورأيت رجلا من أمتي على شفير جهنم فجاءه وجله من الله
تعالى فاستنقذه من ذلك.
15 -
ورأيت رجلا من أمتي يرعد كما ترعد السعفة فجاءه حسن
ظنه بالله تعالى فسكن رعدته.
16 -
ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط مرة ويحبو مرة
فجاءته صلاته علي فأخذت بيده فأقامته على الصراط حتى جاز.
17 -
ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب
دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله فأخذت بيده فأدخلته الجنة) .
قلت: منكر جداً. اضطرب فيه الرواة سنداً ومتناً واتفق الحفاظ المتقدمون ومن سار سيرهم من المتأخرين على استنكاره وتضعيفه. وخالفهم بعض المتأخرين ضاربين بذلك القواعد العلمية التي منها: (أن الحديث لا يتقوى بالطرق الواهية، ولا بالمضطرب إسناداً ومتناً) ، مع أوهام متنوعة كثيرة وقعت لبعضهم؛ يستقل بعضهم بها، ويقلدهم آخرون في بعضها؛ فهذا مثلاً الهيثمي يقول في " المجمع " (7/180) :
" رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما سليمان بن أحمد الواسطي وفي الآخر خالد بن عبد الرحمن المخزومي، وكلاهما ضعيف ".
قلت: فقوله: بإسنادين يوهم أنه ليس في طريق (الواسطي) الضعيف (خالد بن عبد الرحمن المخزومي) ، وهذا خلاف الواقع.
غاية ما في الأمر أن (الواسطي) رواه عن خالد بن عبد الرحمن عن علي ابن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة، ورواه علي ابن شعيب الحراني عن خالد بن عبد الرحمن المخزومي فقال: عن عمر بن ذر عن سعيد بن المسيب.
فاختلف (الواسطي) و (علي بن شعيب الحراني) في شيخ المخزومي؛ فجعله الأول: (علي بن زيد بن جدعان) وجعله الآخر (عمر بن ذر) ، أما الأول فقد عرفت تضعيف الهيثمي له، وأما (علي بن شعيب الحراني) ! فنكرة ليس له ذكر في شيء من كتب الرجال.
وقد وقفت على إسناد الطبراني بواسطة " جامع المسانيد " للحافظ ابن كثير (8/ 331 - 333) ، وقد أخرجه الطبراني في " الأحاديث الطوال " من طريق
الواسطي (25/ 281 - 282) .
ثم إنه تسامح في اقتصاره على تضعيف (خالد المخزومي) ؛ قال البخاري وأبو حاتم:
" ذاهب الحديث ". وقال العقيلي:
" منكر الحديث ". ورماه غيرهم بالوضع.
فإن قيل: هذا حال إسناد الطبراني فما حال إسناد الحكيم؟
قلت: هو مثله أو نحوه وقد وقفت على إسناده في كتاب " التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة " للشيخ القرطبي (ص 277) ، ونقله عنه ابن كثير في "تفسيره "(2/ 535)، أخرجه من طريق عبد الله بن نافع قال: حدثني ابن أبي فديك عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن سعيد بن المسيب به.
ومن هذا الوجه رواه أبو عثمان الصابوني (1) - كما ذكر الشيخ الغماري في " المداوي "(3/ 42) - وقال:
" وعبد الرحمن بن أبي عبد الله هو: ابن حرملة فيما أرى. والله أعلم ".
قلت: هذه مجرد دعوى؛ لأنه ليس في الرواة عن سعيد بن المسيب من يسمى (عبد الرحمن بن أبي عبد الله) ، ولا له ذكر في ضيء من كتب الرجال، وانما ادعى ذلك؛ ليوهم القراء أن الحديث قوي.
(1) ومن طريقه أخرجه الأصبهاني في " الترغيب "(2/ 687 - 688) . ومن الظاهر أن الغماري نقله عنه.
على أن ابن حرملة هذا وإن كان ثقة؛ ففيه كلام - كما هو مذكور في " التهذيب " وغيره -.
وبعد، فإنى سأسوق بين يدي القراء أسماء الرواة المجروحين الذين دارت عليهم طرق الحديث، وألان القول فيهم الغماري - وبعض من سبقه -، وأعرض عن أقوال الأئمة الحفاظ المعتمد عليهم في الجرح والتعديل؛ بل وصرح برد أقوالهم، والتطاول عليهم، ولعله يأتي شيء من ذلك:
1 -
سليمان بن أحمد الواسطي: وقد سبق تضعيفه من الهيثمي، ومن قبله قال الذهبي في " المغني ":
" ضعفوه ".
2 -
خالد بن عبد الرحمن المخزومي: تقدم أيضاً تضعيف الأئمة الثلاثة:
البخاري، وأبو حاتم، والعقيلي تضعيفاً شديداً، وأن بعضهم رماه بالوضع، وقد تبع
الغماري (ص 39) الهيثمي في الاقتصار على وصفه بأنه " ضعيف "؛ فأعرض
عن جرح أولئك الأئمة الشديد إياه لغاية معروفة، وهي التمهيد للتقوية به! مع أنه نقل عن ابن منده أنه قال:
" هذا حديث غريب بهذا الإسناد، تفرد به خالد بن عبد الرحمن عن عمر ابن ذر ".
3 -
نوح بن يعقوب بن عبد الله الأشعري: رواه عن أبيه عن يحيى بن سعيد بن سعيد بن المسيب بالفقرة الرابعة فقط.
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان "(2/ 332) من طريق علي بن بشر:
ثنانوح بن يعقوب بن عبد الله الأشعري به.
قلت: وهذا اسناد ضعيف منكر؛ نوح بن يعقوب: لا يعرف؛ لم يزد أبو نعيم في ترجمته على أنه ساق له هذا الحديث؛ والآفة من علي بن بشر؛ فقد اتهم بالكذب " قال ابن منده:
" رأيت أبا الحجاج الفِرساني قد لزم علي بن بشر ويقول: بيني وبينك السلطان؛ فإنك تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في " اللسان " -.
وقال أبو نعيم في ترجمته في " الأخبار "(2/ 1) :
" كان يضعف حديثه، وفي حديثه نكارة، روى عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت في (الجنة ذئباً) ".
قال الحافظ:
" وهذا من بلاياه ".
قلت: ومع هذا الجرح الشديد أغمض عينيه عنه الشيخ الغماري في " المداوي "(ص 40) ؛ فاكتفى بسوق إسناد أبي نعيم، وخنس عنه، وهكذا فليكن التحقيق.. بكتمان الحقائق العلمية عن القراء من مؤلف " المداوي " الذي قال فيه أخو المؤلف عبد الله الغماري:
" من أراد صناعة الحديث؛ فعليه بـ (المداوي) ".
وأنا أقول - لوجه الله -: (من أراد أن يطلع على نوع جديد من التدليس على القراء، فعليه بـ " المداوي ") !
وها هي الأمثلة بين يديك وقد مضى من أمثالها الشيء الكثير في الأحاديث المتقدمة.
4 -
مخلد بن عبد الواحد الواسطي: قال ابن حبان (3/ 43) :
" منكر الحديث جداً، ينفرد بأشياء مناكير لا تشبه حديث الثقات؛ فبطل الاحتجاج به إلا فيما وافقهم من الروايات، وهو الذي روى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب ".
قلت: فساق الطرف الأول من الحديث، وقال:
" وذكر حديثاً طويلاً مشهوراً تركت ذكره لشهرته "، ثم ساق إسناده.
وأقره الذهبي في " الميزان "، والحافظ في " اللسان ".
وبجرح ابن حبان المذكور أعله ابن الجوزي في " العلل المتناهية "(210 - 211/1166)، وكالعادة تعامى الغماري عن متابعة ابن الجوزي والعسقلاني لابن حبان؛ فخص رده على ابن حبان والذهبي بقوله (40 - 41) :
" ولا معنى لإيراد الحديث في ترجمته؛ لأنه لم ينفرد به
…
".
قلت: وهذه مغالطة لها قرنان - كما يقال في بعض البلاد -؛ فإن من كان " منكر الحديث جداً "؛ فهو بمثابة قولهم: " ضعيف الحديث جداً ".
فلا يستشهد به - كما هو ظاهر لا يخفى على اللبيب -!
وإن من تمويهاته وتضليلاته أنه تشبث بقول ابن حبان " " تركت ذكره لشهرته ". فقال:
" وما كان مشهوراً لا يتهم به واحد؛ فقد تابعه هلال بن عبد الرحمن، وأبو عبد الله المديني عن علي بن زيد ".
قلت: وهذه مكابرة أخرى؛ فإن سياق كلام ابن حبان إنما يعني: أنه تركه لشهرته بالنكارة؛ ولذلك تابعه النقاد الثلاثة الذين سبق ذكرهم، وكأنه لا يعلم الكتب المؤلفة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة مثل " المقاصد الحسنة " وغيره مما هو معلوم لدى المبتدئين بالعلم. وصدق الله إذ يقول:{فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} .
ومن أكاذيبه تمويهاً على قرائه أنه قال عن ابن حبان: أنه ذكر جملة من الحديث نحو عشرة أسطر.. والواقع أنها سطران إلا قليلاً!
وأما المتابعة التي أشار إليها فستعلم نبأها قريباً إن شاء الله، وأنها لا تساوي شيئاً.
5 -
هلال بن عبد الرحمن: قال العقيلي:
" منكر الحديث ".
ثم ذكر له ثلاثة أحاديث، منها هذا بطرفه الأول، ثم قال:
" كل هذا مناكير لا أصول لها ".
وأقره الحافظ في " اللسان "، ومن قبله الذهبي في " الميزان " وقال:
" الضعف على أحاديثه لائح؛ فليترك ".
وعارضهم الغماري - كعادته، وخالف القواعد العلمية - فقال (ص 41) :
" وهو كلام مردود على العقيلي بوجود الأصول، والمتابعات الكثيرة له على هذا الحديث ".
قدمنا مراراً بيان وهاء المتابعات الكثيرة التي يتبجح بها الغماري، وعلاوة على ذلك فإنها مختلفة جداً في سياقها للحديث طولاً وقصراً، وحسبك دليلاً على ذلك مما مر رواية أبي نعيم عن علي بن بشر وغيرها مما يأتي.
وأما احتجاجه بـ (الأصول) فلا شيء - كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى -.
6 -
أبو عبد الله المديني، عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب
…
أخرجه ابن شاهين في " الترغيب "(403 - 405) ؛ أخرجه من طريق حمَّادة بنت شهاب بن سهل بن عبد الله بن الأخنس الأسدية أم بدر الجوهرية
قالت: حدثني أبو عبد الله المدني
…
سكت عنه الغماري (ص 42) - كما هي عادته اذ لم يجد في السند ما يتقوى به -! وهو إسناد مظلم؛ أبو عبد الله المديني: مجهول - كما قال الذهبي في " المغني " -.
وحفادة بنت شهاب: لم أجد لها ترجمة.
7 -
عبد الرحمن بن أبي عبد الله: تقدم (ص 1231) ما يدل على أنه غير معروف.
8 -
هلال أبو جبلة عن سعيد بن المسيب
…
يرويه بشر بن الوليد عن فرج ابن فضالة، ذكره الغماري من طريق الخرائطي في "المكارم "، وأبي موسى المديني في " الترغيب والترهيب "، وقال:
" قال أبو موسى المديني: هذا حديث حسن جداً، رواه عن سعيد بن المسيب وعمر بن ذر جماعة؛ منهم علي بن زيد بن جدعان ".
قلت: انظر إلى أبي موسى كيف قال:
" حديث حسن جداً "؛ فهو لا يعني أنه حسن بمجموع طرقه - كما هو المعلوم اصطلاحاً -، وإنما يعني أنه حسن لغة، وهذا استعمال معروف عند بعض الحفاظ؛ ومنهم أبو عمر بن عبد البر، حتى ولو كان من رواية بعض الوضاعين مثل: (تعلموا العلم؛ فإن تعليمه للناس خشية
…
) . قال فيه أبو عمر:
" وهو حديث حسن جداً، ولكن ليس له إسناد قوي ".
وهو مخرج في " الأحاديث الضعيفة " برقم (5293)، ويؤيده أن (هلالاً أبا جبلة) : نكرة لا يعرف - كما نقله الغماري عن ابن القيم -. على أن الراوي عنه (فرج بن فضالة) : ضعيف، وبهما أعله ابن الجوزي؛ فقال له - بعد أن ساقه من طريقه (1)، وطريق مخلد بن عبد الواحد المتقدم -:
" وهذا حديث لا يصح؛ أما الطريق الأول: ففيه هلال أبو جبلة، وهو مجهول، وفيه الفرج بن فضالة: قال ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، لا يحل الاحتجاج به. أما الطريق الثاني: ففيه علي
ابن زيد: قال أحمد ويحيى: ليس بشيء. وقال أبو زرعة: يهم ويخطئ؛ فاستحق الترك. وفيه مخلد بن عبد الواحد: قال ابن حبان: منكر الحديث جداً، ينفرد بمناكير لا تشبه أحاديث الثقات ".
قلت: ويحتمل عندي أنه (هلال بن عبد الرحمن) المتقدم برقم (5) ، والذي استنكر حديثه العقيلي. والله أعلم.
(1) وكذا ابن عساكر في " تاريخ دمشق "(34/406 - 407) .
ومن الغرائب ما نقله الغماري عن السخاوي قال:
" وذكر الشيخ العارف أبو ثابت محمد بن عبد الملك الأيلي
…
أن هذا الحديث وإن كان غريباً عند أهل الحديث؛ فهو صحيح لا شك فيه ولا ريب، حصل له العلم القطعي بصحته من طريق الكشف في كثير من وقائعه وأحواله ".
قلت: وغمز من هذا الكلام الحافظ السخاوي بقوله - وهو من تمام نقل الغماري -:
" كذا قال! والعلم عند الله تعالى ".
قلت: ووجهه الاعتراف بأن الخلاف بين أهل الحديث - فضعفوه -، وبن أهل التصوف - فصححوه بطريق الكشف -، وهذا هو الذي حمل الغماري على أن يسود تسع صفحات كبار في تخريج، الحديث، ويحشر فيه ما هب ودب؛ موهماً بذلك تقوية الحديث على طريقة حفاظ الحديث، حتى وصل به الأمر أن يستقوي بعلي
ابن بشر الذي كذب على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فزعم أنه قال:
" رأيت في الجنة ذئباً ". متجاهلاً قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" من حدث عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين".
رواه مسلم وغيره.
وبهذه المناسبة؛ انظر فصلاً هاماً في كتابي " تمام المنة "(ص 32 - 34) بعنوان " لا يجوز ذكر الحديث إلا مع بيان ضعفه ". فتحته كلام هام لابن حبان وابن عبد الهادي في التحذير من رواية الأحاديث الضعيفة والسكوت عنها. ومما تقدم يتضح وضوحاً لا خفاء فيه أن الرجل يخالف علم الحديث تأصيلاً
وتفريعاً، وأنه إنما يتبع هواه المدعم بالكشف الصوفي الذي لا ضوابط له ولا قواعد؛ مثل النقد العقلاني المستند صاحبه إلى عقله، ولا شيء غيره سوى الهوى.
بقي النظر في من حسّن الأحاديث بدعوى: (أن أصول السنة تشهد له) ! ويحمل راية ذلك: شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية.
فأقول: غفر الله لهما؛ فإنهما يعلمان أن الأصول لا تثبت بها الفروع المتنوعة المعاني - كهذا الحديث -.
وأضرب على ذلك مثالاً واضحاً:
قال تعالى: {اذكررا الله ذكراً كثيراً} ، فهذا أصل، ومن الأحاديث الواردة في الذكر، - ويعتبر فرعاً داخلاً بعموم الآية - الحديث الذي وضعه أحد الكذابين، - ولعله كان من الصوفية الرقصة أصحاب القصع - بلفظ:
" أذيبوا طعامكم بذكر الله والصلاة "، وهو مخرج في " الضعيفة " برقم (115) ؛ فالفروع إذا كان فيها معان زائدة أحكاماً أو أخباراً - وبخاصة إذا كانت من الأخبار الغيبية المتعلقة بأمور الآخرة كهذا الحديث -؛ فلا يكفي لتصحيحها أن يقال:(إن أصول السنة تشهد لها) !
وإن مما يؤكد ذلك تعقيب ابن القيم على الحديث في " الوابل الصيب "؛ فقد ساق عشرة أحاديث، وكثيراً من الآثار في فضل الذكر في الحياة الدنيا؛ مثل: أن الذاكر يحوز نفسه من الشيطان، وقراءة آية الكرسي عند النوم، وغيرها. فهذه الأحاديث في واد، وحديث الترجمة في واد آخر.
نعم، أنا لا أنكر أن لبعض الأعمال الصالحة فضائل خاصة بعد الموت مثل
قوله صلى الله عليه وسلم:
" الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة؛ يقول الصيام: أي رب! منعته الطعام والشهوة؛ فشفعني فيه. ويقول القرآن: منعته النوم بالليل؛ فشفعني فيه. قال: فيشفعان".
وهو مخرج في " تمام المنة "(ص 394) .
وقوله صلى الله عليه وسلم:
" ان سورة في القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له؛ وهي: {تبارك الذي بيده الملك} ".
وهو مخرج في " التعليق الرغيب "(2/ 222/ 1)، وفي رواية فيه برقم (4) بلفظ:
" من قرأ {تبارك الذي بيده الملك} كل ليلة؛ منعه الله عز وجل بها من عذاب القبر".
فهذان أصلان يشهدان لما ذكرت من الفضائل الخاصة. فأين الأصول التي تشهد لما جاء في هذا الحديث المنكر؟!
الحق، والحق أقول - إن شاء الله -: أن مثل هذا الحديث المتعدد الأنواع، إنما ينوء بحفظه الرواة الثقات؛ أمثال: سعيد بن المسيب والزهري؛ كحديث الإسراء والمعراج. وحديث أبي بكر في الصدقات؛ وأمثالهما من الأحاديث الطوال، ويكون سائر الرواة معروفين بالثقة والحفظ والضبط؛ فأين من هؤلاء رواة هذا الحديث المنكر الذين أحسنهم حالاً ابن جدعان الراوي عن (سعيد) ، وقد عرفت ما قالوا فيه،