الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثير في "البداية"(3/198 - 199) ولم يسندها.
(تنبيه) : عزا الحافظ في "الفتح" حديث الترجمة في موضعين منه (7/245، 261) إلى الحاكم، وسبقه إلى ذلك الحافظ ابن كثير، ولكنه قرنه بتحفظ غريب غير معتاد، فقال بعدما ساقه من رواية البيهقي بإسناده (3/200) :
"هذا حديث غريب من هذا الوجه، لو يروه أحد من أصحاب "السنن" وقد أخرجه الحاكم - كما يروى -"!
فقوله: "كما يروى" لعله يعني رواية البيهقي عنه، وحينئذ فلا فائدة تذكر منه. وعلى كل حال، فهذا القول - أو القيد - منه خير من إطلاق الحافظ عزوه للحاكم، لأنه يوهم أنه في "مستدركه" وليس فيه، ثم إنه سكت عنه، فأوهم حسنه على الأقل عنده، وليس كذلك -كما تقدم -. ولقد كان هذا من الدواعي على إخراجه، والكشف عن علته، واقترن مع ذلك الاستطراد لذكر أحاديث صحيحة تدل على نكارته. والله ولي التوفيق.
6509
- (هذا ثوبٌ لا يؤدَّى شكرُه. يعني الطّيلسان) .
منكر. أخرجه ابن سعد في "الطبقات"(1/461) من طريق عبد السلام ابن حرب: حدثني موسى الحارثي - في زمن بني أمية - قال:
وُصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم الطيلسان، فقال:
…
فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف معضل، رجاله ثقات، وموسى الحارثي: الظاهر أنه (موسى بن مسلم أبو عيسى الطحان) المعروف ب (موسى الصغير) ، فقد ذكروا في الرواة عنه عبد السلام بن حرب هذا، وقد وقع في "تهديب التهديب"
(الحزامي) ، وهنا (الحارثي) فأحدهما محرف. والله أعلم.
والحديث أعله الحافظ في موضعين من "الفتح"(7/235 و 10/274 -275) بالإرسال. والصواب إعلاله بالإعضال - كما تقدم معنا -، لأن موسى هذا لم يذكروا له رواية عن الصحابة، ولذلك ذكره الخافظ نفسه في الطبقة السابعة من "التقريب". وهي طبقة أتباع التابعين.
(فائدة) : الطيلسان: ضرب من الأوشحة يلبس على الكتف، أو يحيط بالبدن، خال عن التفصيل والخياطة. أو هو مايعرف في العامية المصرية ب (الشال) .
فارسي معرب: (تالسان) أو (تالشان) . "المعجم الوسيط".
إذا عرفت هذا، فقد أشار ابن القيم في أول "زاد المعاد" إلى تضعيف الحديث بقوله:
"وأما الطيلسان، فلم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل قد ثبت في "صحيح مسلم"" من حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال، فقال:
"يخرج معه سبعون ألفاً من يهود أصبهان، عليهم الطيالسة".
ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة، فقال: ما أشبههم بيهود خيبر. ومن هنا كره لبسها جماعة من السلف".
ثم إحتج على الكراهة بحديث "من تشبَّه بقوم، فهو منهم". وهو حديث حسن صحيح مخرج في "جلباب المرأة المسلمة"(203 -204) عن ابن عمر وغيره.
وأثر أنس أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم (4208) .
لكن قوله "ولا أحد من أصحابه". ففيه نظر، وإن مر عليه المعلقان على "الزاد"(1/142 -طبع المؤسسة) فلم يعلقا عليه بشيء! كما أنهما لم يخرجا أكثر من مادة الكتاب حديثاً وآثاراً، ومن ذلك أثر أنس هذا! وقد كنت ذكرت في
"التعليقات الجياد على زاد المعاد" أن القسطلاني في "المواهب اللدنية" تعقبه بأن ابن سعد روى من طريقين: أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان يلبس الطيالسة.
ثم رأيت مثله عن جماعة من السلف في "مصنف ابن أبي شيبة"(كتاب اللباس) منهم إبراهيم -وهو: ابن يزيد النخعي - رقم (4739) ، والأسود بن هلال (4741) ، وعبد الله بن يزيد (4742) ، وسعيد بن المسيب (4743) ، وعبد الله بن مغفل رضي الله عنه (4746) .
قلت: فالقول بالكراهة مع لبس هؤلاء الأفاضل للطيلسان - لا سيما وفيهم الصحابي الجليل عبد الله بن مغفل - بعيد جداً، أضف إلى ذلك أن بعضهم كان يغالي بشراءه، فروى ابن أبي شيبة (4963) عن مغيرة قال:
كان إبراهيم لا يرى بأساً أن يلبس الثوب بخمسين درهماً، يعني: الطيلسان.
و (4964) عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن مسروق قال:
كان لا يغالي بثوب إلا بطيلسان.
فبهذه الآثار التي خفيت على ابن القيم - يرد القول بالكراهة، وليس بحديث الترجمة - كما فعل الحافظ (10/274) -، لضعفه وإعضاله.
وأما أثر أنس فيحمل على ما إذا كان شعاراً لهم، لحديث ابن عمر المتقدم، قال الحافظ فب "الفتح" (10/275) :
"وإنما يصلح الاستشهاد بقصة اليهود في الوقت الذي تكون الطيالسة من شعائرهم، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة، فصار داخلاً في عموم المباح، وقد ذكره ابن عبد السلام في أمثلة البدعة المباحة".
قلت: وقوله: "البدعة المباحة" لعله يعني البدعة اللُغوية، لأن البدعة الشرعية لا توصف بمباحة أو حسنة، بل كلها ضلالة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مبين في محله. على أن وصفها بالبدعة اللغوية فيه نظر أيضاً - لما سبق من الآثار السلفية -، فالظاهر أن ابن عبد السلام لم يقف عليها، كما أن الحافظ لم يذكر شيئاً منها، وهذا من غرائبه!
(تنبيه) : تقدم في كلام ابن القيم عزو حديث (يهود أصبهان) لـ "صحيح مسلم" من حديث النواس بن سمعان، وهذا سبق قلم منه أو ذهن، فإنه عنده (8/207) من حديث أنس بن مالك، وكذلك رواه ابن حبان وغيره، وهو
مخرج في "الصحيحة"(3080) ، وخرجت له فيه بعده شاهداً من حديث جابر ابن عبد الله، وأما حديث النواس بن سمعان فهو حديث طويل عند مسلم (8/197 -198) ، ولكن ليس فيه ماذكره ابن القيم، ومن العحيب أن الحافظ تبعه على ذلك في "الفتح"(10/274) ! ثم القسطلاني في "المواهب" وشارحه الزرقاني (5/27) !! وحديث النواس رواه أحمد وغيره، كما في "مسلم"، وهو مخرج في "الصحيحة" أيضاً برقم (481) .