الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر
في اقتران الوصية بالشرط
الشرط إما أن يقتضيه العقد أو لا: فإن اقتضاه فهو صحيح.
وإن لم يقتضيه العقد، فإما أن يكون من مصلحته أو لا: فإن كان من مصلحته فهو صحيح.
وإن لم يكن من مصلحة العقد، فإما أن يتعلق به غرض أو لا: فإن لم يتعلق به غرض صح العقد وبطل الشرط.
وإن تعلق به غرض لأحدهما، ولم يكن مخالفًا للشرع، ولم يناف موجب العقد صح العقد والشرط.
[م-1634] تعريف اقتران الوصية بالشرط:
أن يصدر الإيجاب من الموصي منشئًا للوصية على أن يكون الاستحقاق مقيدًا بشرط للحصول على الوصية.
كأن يقول: أوصيت بهذه الدار لزيد بشرط أن يسكنها.
أو يقول: أوصيت بهذه الدراهم لعبد الله بشرط أن يتزوج بها.
فهي وصية مقيدة، وليست معلقة، وهذا هو الفارق بين الوصية المعلقة والمقترنة بالشرط، فالوصية المعلقة لا تنعقد إلا عند حصول الشرط، بخلاف الوصية المقترنة بالشرط فإنها تنعقد إلا أنها مقيدة، وليست مطلقة.
وأما حكم اقتران الوصية بالشروط فهذا يختلف من شرط لآخر، فلا يمكن أعطاء حكم عام في هذه المسألة، فبعض الشروط قد تكون صحيحة أو فاسدة
بالاتفاق، وبعضها قد يختلفون في قبولها وردها، نظرًا لاختلاف موقفهم من الشروط في العقد عامة.
كما يرجع الاختلاف إلى مسألة سبق بحثها في عقد البيع في المجلد الخامس، وهي: ما هو الأصل في الشروط، هل الأصل فيها الصحة والجواز، أو الأصل فيها المنع.
ولدينا في هذا ثلاث مدارس:
المدرسة الأولى: وهي مدرسة واسعة جدًا، تجعل الأصل في الشروط الحل والإباحة، ولا يحرم منها، ولا يبطل إلا ما دل الشرع على تحريمه وإبطاله وهي مدرسة الحنابلة، وينصره هذا القول ابن تيمية وابن القيم.
المدرسة الثانية: مدرسة ضيقة جدًا تجعل الأصل في الشروط البطلان والتحريم إلا ما نص الشارع على جوازه بخصوصه، وهذا مدرسة الظاهرية.
المدرسة الثالثة: هي أوسع من مذهب الظاهرية، وأضيق من مذهب الحنابلة، حيث يمنع بعض الشروط ويصحح بعضها، وهو بقية المذاهب.
ولهذا قال ابن تيمية لما ذكر مذهب الظاهرية، قال: وكثير من أصول أبي حنيفة تنبني على هذا، وكثير من أصول الشافعي، وأصول طائفة من أصحاب مالك وأحمد»
(1)
.
وهذا الكلام من ابن تيمية كأنه ينسب هذا المذهب إلى جمهور الفقهاء، وحتى لا يفهم منه أن مذهب الجمهور مطابق لقول ابن حزم، استدرك ذلك
(1)
. مجموع الفتاوى (29/ 126 - 127)، وانظر المدخل للزرقاء (1/ 476)، وانظر القواعد والضوابط الفقهية للمعاملات المالية عند ابن تيمية (2/ 148) وما بعدها.
(1)
.
فقوله: (يتوسعون في الشروط أكثر منهم لقولهم بالقياس) دليل على أن هذا قسم ثالث، أضيق من مذهب الحنابلة، وأوسع من مذهب أهل الظاهر.
إذا علم ذلك فإن الأئمة لا يختلفون في قبول كل شرط يقتضيه العقد، وهذا الاشتراط في الحقيقة اشتراط صوري: لأن الشرط الذي يقتضيه العقد شرط لازم مستحق بموجب العقد، سواء ذكر في العقد أو لم يذكر، فذكره لا يضيف شيئًا إلى العقد، وعدم ذكره لا يضره، فذكره من باب البيان والتوكيد.
(2)
.
مثاله: أن يشترط تسليم الوصية للموصى له بعد موت الموصي. فهذا شرط صحيح يقتضيه العقد وإن لم يشترط.
وكذلك يصح من الشروط: كل شرط يكون في اشتراطه مصلحة للموصي أو للموصى له، ولم ينه عنه الشارع، ولم يكن مخالفًا لمقاصد الشريعة؛ ولم يناف مقتضى العقد؛ لأن الأصل في الشروط الصحة والجواز.
فإن اشترط ما ينافي العقد، أو يخالف مقصود الشارع، أو ليس فيه مصلحة لأحد، أو كان في اشتراطه معصية بطل الشرط.
(1)
. القواعد النورانية (ص: 369).
(2)
. شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 116).