الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
بطلان الوصية برجوع الموصي عنها
[م-1695] يجوز للموصي الرجوع عن الوصية ما دام حيًا، وهذا باتفاق الأئمة واختلفوا في الوصية بالعتق، والأكثر على صحة الرجوع
(1)
.
قال العيني: «اجتمع أهل العلم على جواز الرجوع للموصي في جميع ما أوصى كله، أو بعضه»
(2)
.
وقال ابن عرفة: «يجوز رجوع الموصي عن وصيته إجماعًا في صحة أو مرض»
(3)
.
(4)
.
(1)
. تحفة الفقهاء (3/ 223)، فتح القدير (10/ 436)، الهداية شرح البداية (4/ 516)، تبيين الحقائق (6/ 186)، العناية شرح الهداية (10/ 436)، التمهيد (14/ 309)، الشرح الكبير (4/ 428)، منح الجليل (9/ 516)، الوسيط (4/ 477)، روضة الطالبين (6/ 304)، تحفة المحتاج (7/ 76)، مغني المحتاج (3/ 71)، مطالب أولي النهى (4/ 460)، كشاف القناع (4/ 348)، المبدع (6/ 25).
(2)
. البناية شرح الهداية (13/ 411).
(3)
. التاج والإكليل (6/ 369).
(4)
. المنتقى شرح الموطأ (6/ 148).
ويكون الرجوع عن الوصية بالقول: كأن يقول: رجعت عن الوصية، أو أبطلتها، أو نقضتها، أو فسختها، ونحو ذلك.
ويلحق به لو أخرج العين الموصى بها عن ملكه ببيع أو هبة، أو جعله مهرًا، أو وقفًا. وهذا بالاتفاق.
[م-1696] واختلفوا فيما إذا رجع إلى الموصي بسبب جديد هل يعود موصى به، أو لا على قولين: فقيل: لا يعود، وهو قول الجمهور
(1)
.
وقيل: يعود موصى به، وهو مذهب المالكية
(2)
.
ويكون الرجوع بالفعل الدال عليه كما لو فعل في الموصى به ما يدل على رجوعه عن الوصية، كذبح الشاة الموصى بها، واستهلاكها.
وكذا لو تصرف في الموصى به تصرفًا يزيل عنه الاسم الذي أوصى به، كنسج الغزل الموصى به؛ لأن الاسم انتقل عما كان عليه حال الوصية، ومنها صوغ الفضة الموصى به؛ لأن الذي أوصى به انتقل اسمه كما كان حال الوصية
(3)
.
قال الكاساني في بدائع الصنائع: «الرجوع قد يكون نصًا، وقد يكون دلالة، وقد يكون ضرورة. أما النص فهو أن يقول الموصي: رجعت.
أما الدلالة: فقد تكون فعلًا، وقد تكون قولًا: وهو أن يفعل في الموصى به فعلًا يستدل به على الرجوع، أو يتكلم بكلام يستدل به على الرجوع.
(1)
. بدائع الصنائع (7/ 379)، روضة الطالبين (6/ 307)،
(2)
. شرح الخرشي (8/ 172)، الشرح الصغير (4/ 589).
(3)
. الخرشي (8/ 172).
وبيان هذه الجملة: إذا فعل في الموصى به فعلًا لو فعله في المغصوب لانقطع به ملك المالك كان رجوعًا، كما إذا أوصى بثوب ثم قطعه، وخاطه قميصًا، أو قباء، أو بقطن، ثم غزله أو لم يغزله، ثم نسجه، أو بحديدة ثم صنع منها إناءً أو سيفًا، أو سكينًا، أو بفضة، ثم صاغ منها حليًا، ونحو ذلك؛ لأن هذه الأفعال لما أوجبت بطلان حكم ثابت في المحل، وهو الملك؛ فلأن توجب بطلان مجرد كلام من غير حكم أصلًا أولى.
ثم وجه الدلالة منها على التفصيل: أن كل واحد منها تبديل العين، وتصييرها شيئًا آخر معنى واسمًا، فكان استهلاكًا لها من حيث المعنى، فكان دليل الرجوع فصار كالمشتري بشرط الخيار إذا فعل في المبيع فعلًا يدل على إبطال الخيار يبطل خياره، والأصل في اعتبار الدلالة إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للمخيرة (إن وطئك زوجك فلا خيار لك) .....
ولو باع الموصى به، ثم اشتراه، أو وهبه، وسلم، ورجع في الهبة لا تعود الوصية؛ لأنها قد بطلت بالبيع، والهبة مع التسليم لزوال الملك، والعائد ملك جديد غير موصى به، فلا يصير موصى به إلا بوصية جديدة»
(1)
.
وقال الخرشي: «والرجوع يكون بأمور منها:
القول: كقوله أبطلت وصيتي، أو رجعت عنها.
ومنها: البيع، ما لم يشتره .....
ومنها: العتق للرقبة الموصى بها، ومنها الكتابة؛ لأنها إما بيع، وإما عتق،
(1)
. بدائع الصنائع (7/ 379).
ولا يقال كان يمكنه الاستغناء عن الكتابة حينئذ لدخولها فيما مر؛ لأنا نقول لما رأى أنها ليست بيعًا، ولا عتقًا محضًا ذكرها ....
ومنها: الحصد والدرس والتذرية للزرع الموصى به؛ لأن الاسم حينئذ تغير، سواء أدخله بيته أم لا .....
ومنها: نسج الغزل الموصى به؛ لأن الاسم انتقل عما كان عليه حال الوصية، ومنها صوغ الفضة الموصى بها؛ لأن الذي أوصى به انتقل اسمه كما كان عليه حال الوصية ......
ومنها: ذبح ما أوصى به شاة أو غيرها، ومنها إذا أوصى له بشقة ثم فصلها قميصًا، فقوله وتفصيل شقة أي، ووقع الإيصاء بلفظ شقة، بأن قال: أعطوه الشقة الحمراء مثلا، وأما لو أوصى بما سماه ثوبا وفصله، فإنه لا يكون رجوعا؛ لأن القميص يسمى ثوبا»
(1)
.
هذا مجمل مذهب المالكية، ومع اتفاقهم مع الجمهور في المسائل السابقة إلا أنهم أضيق مذهبًا من غيرهم:
فلا تبطل الوصية عندهم بخلط الموصى به بغيره، أو إحداث زيادة فيه، كما لو أوصى بعرصة فبناها، أو صبغ الثوب، أو لت السويق ونحو ذلك، وكذلك لو تغير الموصى به بنفسه من غير تدخل من أحد لم تبطل الوصية بهذا التغير
(2)
.
وقال النووي: «أوصى بحنطة فطحنها، أو جعلها سويقًا، أو بذرها، أو بدقيق فعجنه، بطلت الوصية، وكان ما أتى به رجوعًا لمعنيين:
(1)
. الخرشي (8/ 172)، وانظر الشرح الصغير (4/ 587).
(2)
. منح الجليل (9/ 522 - 523)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (4/ 589).