الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونوقش هذا:
بأن الله تعالى أوجب الوصية للوالدين والأقربين قبل نزول آية المواريث، ثم نزلت آية المواريث للوالدين والأقربين، بقوله تعالى:{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُون} .
فالوالدان والأقربون في آية المواريث، هم الوالدان والأقربون في آية الوصية، وإذا كان إطلاق الأقارب في آية الميراث لا يعني وجوب تعميهم، فكذلك الحال في آية الوصية، فالوالدان والأقربون الذين أوجب الله لهم الحق في الوصية قبل نزول آية الميراث، هم الأقربون الذين أوجب الله لهم بدلًا منه الحق في الميراث، خاصة أن آية الوصية لم تبين مقدار الموصى به، ولا مقدار نصيب كل قريب فيها، بل ترك التقدير للموصي بالمعروف، كما قال تعالى:{الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:180]، وكما في حديث:(إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة)، ولم يقل أحد من أهل العلم فيما أعلم وجوب تعميم الأقارب في الوصية، ذكرانهم وإناثهم، قريبهم وبعيدهم، صغيرهم وكبيرهم؛ لأن مثل هذا لو قيل به لفرض مقدارًا من الوصية لم تبينه النصوص، بل ترك للموصي وما تطيب به نفسه، وإذا كان لا يجب تعميم الأقارب لم يصح القول بأن الوصية كانت واجبة لجميع الأقارب، خرج الوارث منهم، وبقي من عداه، فإذا أوصى لبعض الأقارب ممن لا يرث كفى في الامتثال عند القائلين بوجوب الوصية للأقارب، وإذا كان كذلك فقد انتقل حق الوالدين والأقربين من الوصية المجملة الواجبة إلى الميراث الواجب، وهو حق معلوم المقدار، ومتفاوت بحسب قوة القرابة وجنس القريب، بخلاف الحق في الوصية على القول به فإنه لم يعين المقدار، ولم يتفاوت بحسب الجنس
والقرب، بل ترك هذا لتقدير الموصي، فكان هذا من التدرج في التشريع، فأوجب أول ما أوجب أن يوصي لوالديه وبعض أقاربه بما تطيب به نفسه، ثم نزل هذا الحق بعد ذلك ميراثًا لازمًا للوالدين والأقربين مما قل منه أو أكثر، ويقصد بالأقربين أي بعضهم ممن يرث منهم، فكان ذلك نسخًا للوصية، فلو أوصى لوالديه أو لأقاربه الوارثين لم تصح الوصية إلا بإجازة الورثة، وإذا أجاز الورثة فليس بالوصية استحقوا، وإنما أخذوا بإعطاء
الورثة لهم ذلك، وهذا دليل على نسخ آية الوصية للوالدين والأقربين.
ولهذا ذهب ابن عباس وابن عمر إلى أن آية الوصية نسختها آية المواريث، وهذان الصحابيان من أكبر فقهاء الصحابة، وابن عباس من أعلم الصحابة في تفسير القرآن:
(ث-199) روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن الجهضم، عن عبد الله بن بدر،
عن ابن عمر: إن ترك خيرًا الوصية قال: نسختها آية الميراث
(1)
.
[سنده صحيح].
(ث-200) وبمثله قال ابن عباس، فقد روى أبو عبيد القاسم بن سلام، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن ابن سيرين،
عن ابن عباس أنه قرأ هذه
(1)
. المصنف (30948)، وقد تداخل نص هذا الأثر بالأثر الذي بعده، والتصحيح من نسخة الشيخ محمد عوامة (31593)، ومن طريق وكيع أخرجه البيهقي في السنن (6/ 434).
وأخرجه الطبري في تفسيره (3/ 131) ط هجر، وأبو نعيم في الحلية (9/ 26) من طريق ابن مهدي، ثنا سفيان به.
الآية، {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] قال: قد نسخ هذا
(1)
.
[صحيح، وهو في البخاري بغير هذا اللفظ]
(2)
.
قال ابن حجر عن حديث ابن عباس: هو موقوف لفظًا، إلا أنه في تفسيره إخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن، فيكون في حكم المرفوع بهذا التقرير
(3)
.
(1)
. الناسخ والمنسوخ (421).
(2)
. ورواه سعيد بن منصور في سننه كما في التفسير من سنن سعيد بن منصور (252) أخبرنا هشيم به.
ورواه الطبري في تفسيره (3/ 131) ط هجر، والحاكم في المستدرك (2/ 300، 308) وعنه البيهقي في السنن (7/ 702) من طريق إسماعيل بن إبراهيم، عن يونس بن عبيد به، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
ورواه البخاري في صحيحه (2747) من طريق ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع.
ورواه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (423) من طريق حجاج، عن ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء الخرساني، عن ابن عباس إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين قال: نسختها هذه الآية للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبًا مفروضًا [النساء: 7]. ورواه الدارمي في سننه بإسناد البخاري (3305)، وهو في سنن البيهقي (6/ 372، 431).
ورواه أبو داود (2869) ومن طريقه البيهقي (6/ 434) والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه (1/ 245) من طريق علي بن حسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، بلفظ: إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين فكانت الوصية كذلك حتى نسختها آية المواريث.
(3)
. فتح الباري (5/ 372).