الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
حكم الإيصاء التكليفي
المبحث الأول
حكم الإيصاء بالنسبة للموصي
[م-1705] الأصل في الوصاية أنها مستحبة، لكن إذا كان على الإنسان حقوق واجبة، كرد المظالم التي عجز عنها في الحال، وقضاء الديون المجهولة التي ليس فيها شهود، فإذا عجز عن القيام بهذه الحقوق في حال الحياة، وتعين الإيصاء وسيلة وحيدة لثبوتها والقيام بها كان الإيصاء واجبًا؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومثله الإيصاء على الأولاد الصغار الذين يخشى عليهم الضيعة؛ لأن في هذا الإيصاء صيانة لهم من الضياع
(1)
.
أما الوصاية برد المظالم المعلومة، وقضاء الديون المعلومة والنظر في أمر الأولاد الذين لا يخشى عليهم من الضياع، فهي مستحبة؛ لأن الإيصاء لم يتعين طريقًا وحيدًا للقيام بها، والخروج منها.
قال ابن عابدين: «والوصية أربعة أقسام واجبة كالوصية برد الودائع والديون المجهولة .. »
(2)
.
(1)
. حاشية ابن عابدين (6/ 648)، شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 108)، مغني المحتاج (3/ 74)، أسنى المطالب (3/ 67)، المغني (6/ 55)، طرح التثريب (6/ 189).
(2)
. قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار (7/ 227).
وجاء في أسنى المطالب: «قال الأذرعي: يظهر أنه يجب على الآباء الوصية في أمر الأطفال ونحوهم، إذا لم يكن لهم جد أهل للولاية
…
وغلب على ظنه أنه إن ترك الوصية استولى على ماله خائن من قاض أو غيره من الظلمة؛ إذ يجب عليه حفظ مال ولده عن الضياع ..... ويجب الإيصاء في رد المظالم، وقضاء حقوق عجز عنها في الحال، ولم يكن بها شهود»
(1)
.
فإذا ترك الأب أطفالًا، وخشي عليهم من ظلم الأقارب أو تسلط القضاة الظلمة، وجب عليه أن يوصي، وذلك بأن ينصب الأصلح الذي يخاف الله عزو وجل، ويتقيه فيهم،
قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9].
قال الزركشي: كان القياس منعه لانقطاع سلطة الموصي بالموت لكن قام الدليل على جوازه. اهـ
(2)
.
(ث-237) قلت: قد روى الحاكم في المستدرك، قال: أخبرنا محمد بن يعقوب الشيباني، ثنا محمد بن عبد الوهاب، ثنا جعفر بن عون، عن أبي العميس،
عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: ذكر ما أوصى به عبد الله بن مسعود، إن حدث به حدث في مرضه هذا أن يرجع وصيته إلى الله، ثم إلى الزبير بن العوام، وابنه عبد الله بن الزبير، وإنهما في حل وبل مما وليا وقضيا، ولا تتزوج بنات عبد الله إلا بإذنهما، ولا يخص ذلك عن زينب.
[صحيح عن ابن مسعود]
(3)
.
(1)
. أسنى المطالب (3/ 67).
(2)
. انظر حاشيتي قليوبي وعميرة (3/ 178).
(3)
. عامر لم يدرك عبد الله بن مسعود، فهو قد يكون أخذه من أبيه عبد الله بن الزبير، لأنه الموصى له. أو من نص الوصية، فتكون وجادة، والله أعلم.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 462) من طريق وكيع بن الجراح، عن أبي عميس به.
وقد رواه من هو أعلى من الحاكم، وإنما نزلت إلى رواية الحاكم لذكره نص الوصاية، فقد راواه ابن أبي شيبة في المصنف (عوامة)(31461) حدثنا وكيع، عن أبي العميس، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، أن ابن مسعود أوصى، فكتب في وصيته: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به ابن مسعود إن حدث به حدث في مرضه هذا.
ورواه ابن سعد في الطبقات (3/ 161) قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه أن عبد الله بن مسعود أوصى إلى الزبير، وقد كان عثمان حرمه عطاءه سنتين، فأتاه الزبير فقال: إن عياله أحوج إليه من بيت المال، فأعطاه عطاءه عشرين ألفا، أو خمسة وعشرين ألفًا.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف نسخة عوامة (31553)، ومن طريقه رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (220) والطبراني في المعجم الكبير (246) حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عبد الله بن مسعود، وعثمان، والمقداد بن الأسود، وعبد الرحمن بن عوف، ومطيع بن الأسود، أوصوا إلى الزبير بن العوام رضي الله عنهم. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، وعروة قد يكون أخذ هذا من أبيه، أو عن أخيه عبد الله بن الزبير، وكلاهما موصى إليه من ابن مسعود.
وسقط من إسناد الطبراني ذكر عروة بن الزبير.
وقال ابن دقيق العيد: «الوصية على وجهين:
أحدهما: الوصية بالحقوق الواجبة على الإنسان وذلك واجب ....
والوجه الثاني: الوصية بالتطوعات في القربات، وذلك مستحب»
(1)
.
(2)
.
(1)
. إحكام الأحكام (2/ 161).
(2)
. المغني (6/ 55).
(1)
.
فعلم من ذلك أن الإيصاء في حق الموصي قد يكون واجبًا، وقد يكون مندوبًا.
* * *
(1)
. السيل الجرار (4/ 476).