الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
في وصية المحجور عليه لحظ غيره
تكلمت في المبحث السابق عن وصية المحجور عليه لحظ نفسه كالصبي والمجنون، ونريد أن نتكلم عن المحجور عليه لحظ غيره.
تعريف المحجور عليه لحظ غيره:
هو المفلس الذي قد أحاط الدين بجميع ماله.
[م-1641] فإذا أحاط الدين بمال المدين، وطلب الغرماء الحجر عليه وجب على القاضي الحكم بتفليسه، وهذا مذهب جمهور أهل العلم، وبه قال صاحبا أبي حنفية، خلافًا لإمامهم.
فإذا حجر عليه تعلق حق الغرماء بالمال نظير تعلق حق الراهن بالمرهون، فإذا تصرف في ماله بعد الحجر فإن كان تصرفًا نافعًا للغرماء كقبول التبرعات والصدقات فهذه لا يمنع منها.
وإن كان تصرفه ضارًا بالغرماء، كالهبة والوقف، والإبراء، والإقرار على المال فهذه لا تصح منه عند الجمهور.
وقيل: يقع التصرف موقوفًا، فإن فضل ذلك عن الدين وإلا لغا.
وهو قول عند الشافعية في مقابل الأظهر عندهم، وسوف نتكلم عن الحجر في باب مستقل إن شاء الله تعالى.
[م-1642] وأما تصرف المحجور عليه بالوصية، فهل يمنع باعتباره فيه شبه بالتبرع، والوقف، أو لا يمنع منه؟
الجواب: أن التصرف بالوصية ملحق بالتصرف الذي لا يضر بالغرماء، فهو تصرف صحيح؛ لأن الوصية إنما تخرج من الثلث بعد الدين، ولا تقدم على الدين، فلا يتصور أن الغرماء يتضررون.
(1)
.
وقال الجصاص: «قال الله تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11].
وروى الحارث عن علي، قال: تقرؤون الوصية قبل الدين وإن محمدًا صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية
(2)
. قال أبو بكر: وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين»
(3)
.
(1)
. تفسير الطبري ط هجر (6/ 469).
(2)
. هذا الأثر ضعيف عن علي، وإن كان معناه مجمعًا عليه، فإنه من طريق الحارث الأعور، وهو ضعيف عند أهل الحديث، وقد روى هذا الأثر الطبري في تفسيره (6/ 469)، وعبد الرزاق في المصنف (19003)، وابن أبي شيبة في المصنف ط الرشد (29054) و (31556)، وابن الجارود في المنتقى (950)، وأبو يعلى في مسنده (625)، والطبراني في الأوسط (5156)، والدارقطني (4/ 86)، والحاكم في المستدرك (7967، 7994)، وسنن البيهقي (6/ 392، 438).
(3)
. أحكام القرآن للجصاص (3/ 28).
وحكى الإجماع ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري
(1)
.
وفي حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: «(قوله: لأن الدين مقدم على الوصية) أي بالإجماع وإن كانت الوصية مقدمة عليه في الذكر
…
اهـ. أتقاني»
(2)
.
والمعنى أن الدين قبل الوصية؛ لأن الوصية إنما هى تطوع يتطوع بها الموصي وأداء الدين فرض عليه، فعلم أن الفرض أولى من التطوع.
وهذا ما جعل الفقهاء يقولون بصحة الوصية من المحجور عليه، بخلاف الهبة والوقف ونحوهما؛ لأن الهبة فيها إضرار بالغرماء والوصية، ليس فيها إضرار؛ لأنها لن تنفذ إلا بعد سداد الدين أو إجازة الغرماء، أو إبراء الموصي من دينه كله أو بعضه.
جاء في حاشية الشلبي على تبيين الحقائق: «ولا تصح وصية المديون إن كان الدين محيطًا بما له، إلا أن يبرئ الغرماء الموصي من الدين، فحينئذ تجوز وصيته في الثلث أو في أكثر منه على تقدير إجازة الورثة أو عدمها لعدم المانع، وهو الدين اهـ أتقاني»
(1)
.
(2)
.
وفي مغني المحتاج: «وخرج بالسفيه حجر الفلس، فتصح الوصية معه جزمًا»
(3)
.
وفي الإقناع في فقه الإمام أحمد: «وتخرج الواجبات التي على الميت من رأس المال أوصى بها أو لم يوص، كقضاء الدين، والحج، والزكاة، فإن وصى معها بتبرع اعتبر الثلث من الباقي بعد إخراج الواجب، كمن تكون تركته أربعين، فيوصي بثلث ماله، وعليه دين عشرة، فتخرج العشرة أولًا، ويدفع إلى الموصى له عشرة، وهي ثلث الباقي بعد الدين»
(4)
.
(1)
. حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (6/ 158).
(2)
. الحاوي الكبير (8/ 190).
(3)
. مغني المحتاج (3/ 39).
(4)
. الإقناع (3/ 56)، وانظر الإنصاف (7/ 218)، كشاف القناع (4/ 351).