الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن نظرنا إلى المعنى: فإن الموصي وإن أوجب الوصية إلا أنه لم يقصد إنشاءها، ولم يرض بذلك، ولابد من إرادة العقد ليتحقق الرضا، والذي هو شرط في صحة التبرع.
والمسألة مفروضة في رجل أنشأ الوصية هازلًا، وقامت قرينة على أنه كان هازلًا، ثم لم يرجع حتى مات.
والحنفية تكلموا في وصية الهازل، وهو متسق مع مذهبهم في سائر عقود الهازل، والحنابلة تكلموا عن عقد الهبة من الهازل.
وأما بقية المذاهب فلم أقف على نص منهم في وصية الهازل،
[م-1646] فإن نزلنا كلامهم في بيع الهازل على الوصية، سيكون الخلاف كالتالي:
القول الأول:
لا ينعقد بيع الهازل، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، ووجه في مذهب الشافعية، والوجه المشهور في مذهب الحنابلة.
القول الثاني:
ينعقد بيع الهازل، وهو قول في مذهب المالكية، وأصح الوجهين في مذهب الشافعية، ووجه في مذهب الحنابلة، اختاره أبو الخطاب.
القول الثالث:
يقبل إن ادعى الهزل بقرينة، وهو قول في مذهب المالكية، وقول في مذهب الحنابلة.
وهذا القول ليس جديدًا؛ لأنه يريد أن يتحقق من وجود الهزل.
والصواب من هذه الأقوال مع من قال: لا تنعقد الوصية لعدم وجود قصد الوصية، والرضا به، هذا إذا تحققنا أن الموصي كان هازلًا، وأما إذا اختلفوا فالأصل عدم الهزل. وقد تركت العزو إلى كتب المذاهب وذكر أدلتها اكتفاء بما قدمته في عقد البيع، فارجع إليه غير مأمور
(1)
.
وما نقوله في وصية الهازل نقوله في وصية المكره:
[م-1647] فالإكراه على عقد البيع قد وقع خلاف بين الفقهاء بين من يقول:
ينعقد صحيحًا غير لازم، فللمكره الخيار بين إمضائه ورده، وهذا مذهب المالكية، واختيار زفر من الحنفية.
وبين من يقول: العقد باطل، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة.
واختار الحنفية أن العقد فاسد، وينقلب صحيحًا بالإجازة.
فإذا أكره الرجل على الوصية، وهي عقد جائز يملك الرجوع عنه، فإذا رفع الإكراه فإن أجازها بعد رفع الإكراه صحت الوصية، وإن مات قبل رفع الإكراه بطلت الوصية لعدم الرضا.
وانظر الكلام على بيع المكره في عقد البيع
(2)
.
[م-1648] وأما الخطأ في الوصية فكذلك يقدح في شرط الرضا؛ فإذا وقع الموصي في خطأ في عين الموصى له، أو في الموصى به، أو في حكم الوصية، بحيث لو علم من وقع في هذا الخطأ ما أقدم عليه، فلا شك أن مثل هذا يقدح في رضا الموصي، والذي هو شرط أساسي لانعقاده، والله أعلم.
* * *
(1)
. انظر المجلد الأول (ص: 425) من هذا الكتاب.
(2)
. انظر المجلد الثاني (ص:67) من هذا الكتاب.