الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
حكم الإيصاء بالنسبة للموصى إليه
[م-1706] يجوز للموصى إليه قبول الوصية بشرط أن يتوفر فيه القوة والأمانة، فالقوة: بأن يعلم من نفسه أنه قادر على القيام بما أوصي إليه فيه.
والأمانة: أن يكون واثقًا بأمانة نفسه على أداء ما طلب منه، على الوجه الذي طلب منه دون قصور أو تقصير
(1)
.
وقد قال الله تعالى في ذكر هذين الشرطين: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَئْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26].
وقال يوسف عليه السلام: {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55].
فمن علم من نفسه عدم القدرة على القيام بهذا الواجب، أو كان قادراً على القيام ولكن لا يثق بأمانته حرم عليه القبول لتعريضه حقوق الناس للضياع.
(ح-1044) فقد روى مسلم من حديث أبي ذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم
(2)
.
فأبو ذر رضي الله عنه، وإن توفرت فيه الأمانة، إلا أنه وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: رجل ضعيف، والولاية تحتاج إلى قوة، والقوة في الولاية: هي العلم بها، والقدرة على تحصيل مصالحها ودرء مفاسدها.
(1)
. الشرح الكبير للدردير (4/ 452)،
(2)
. صحيح مسلم (1826).
وذهب الحنفية إلى أنه لا ينبغي للرجل الدخول في الوصاية لما فيها من الخطر.
جاء في مجمع الضمانات: «لا ينبغي للرجل أن يقبل الوصية؛ لأنها أمر على خطر لما روي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال: الدخول في الوصية أوله غلط، والثانية خيانة، وعن غيره، والثالثة سرقة، وعن بعض العلماء لو كان الوصي عمر بن الخطاب لا ينجو عن الضمان.
وعن الشافعي لا يدخل في الوصية إلا أحمق أو لص»
(1)
.
وقال أبو مطيع: ما رأيت في مدة قضائي عشرين سنة من يعدل في مال ابن أخيه
ولبعضهم:
احذر من الواوات أر
…
بعة فهن من الحتوف
واو الوكالة والولا
…
ية والوصاية والوقوف
(2)
.
وذهب الحنابلة إلى أن الدخول في الوصاية للقوي عليها قربة مندوبة
(3)
، لفعل الصحابة رضي الله عنهم؛ ولأنه معونة للمسلم فيدخل تحت قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90]، وتركه أولى في هذه الأزمنة، وقال ابن قدامة:«وقياس مذهب أحمد أن ترك الدخول فيها أولى؛ لما فيها من الخطر، وهو لا يعدل بالسلامة شيئًا»
(4)
.
(1)
. مجمع الضمانات (ص: 395 - 396).
(2)
. حاشية ابن عابدين (6/ 700).
(3)
. مطالب أولي النهى (4/ 528 - 529)، الإنصاف (7/ 285)، كشاف القناع (4/ 393).
(4)
. المغني (6/ 148).
وقال في الإقناع: «الدخول في الوصية للقوى عليها قربة، وتركه أولى في هذه الأزمنة»
(1)
.
وذهب الشافعية إلى أن الدخول فيها قد يتعين عليه إذا غلب على ظنه أنه إذا لم يقبل فإن المال قد يتلف باستيلاء ظالم من قاض وغيره.
جاء في شرح البهجة: «الوصاية جائزة من الطرفين فللموصي الرجوع متى شاء، وللوصي عزل نفسه متى شاء، قال في الروضة: إلا أن يتعين عليه، أو يغلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالم من قاض وغيره. قال في المهمات: وعليه لو لم يكن قبل، فهل يلزمه القبول؟
فيه نظر: يحتمل اللزوم؛ لقدرته على دفع الظالم بذلك، ويحتمل خلافه. اهـ والأوجه الأول إن تعين طريقًا في الدفع»
(2)
.
وقياساً على ما قاله الفقهاء في حفظ الوديعة، جاء في شرح البهجة: «وهي مستحبة لواثق بأمانة نفسه قادر على الحفظ، وقد تتعين حينئذ بأن لم يكن هناك غيره
…
وتحرم عند العجز عن الحفظ؛ لأنه يعرضها للتلف، وتكره عند القدرة لمن لم يثق بنفسه»
(3)
.
* * *
(1)
. الإقناع (3/ 77).
(2)
. الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (4/ 52)، وانظر روضة الطالبين (6/ 320).
(3)
. الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (4/ 52).