الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
°
الشروط المختلف فيها:
هناك شروط هي محل خلاف في الجملة، وهي كل شرط لا يقتضيه العقد، ولا ينافيه:
فقولنا: (لا يقتضيه العقد) أي لا يستحق بمجرد العقد.
وقولنا: (لا ينافيه) أي لا ينافي مقتضى العقد، فمقتضى عقد الوصية أن يملك الموصى له الوصية بعد موت الموصي إذا مات ولم يتراجع أو يغير، وقبل ذلك الموصى له بعد وفاته.
فإن كان فيه مصلحة للعقد فهذا الشرط صحيح، وسبق الأمثلة له.
وإن كان هذا الشرط ليس فيه مصلحة للعقد، ولا ينافي العقد كاشتراط القيام بعمل معين، ففي عقود المعاوضات يختلف الفقهاء في صحتها كما لو اشترط حمل الحطب، وتكسيره، وخياطة الثوب، وبيع الدار بشرط سكناها ونحو ذلك، إلا أن هذه الشروط لا ينبغي الاختلاف في صحتها في عقود التبرعات، كأن يوصي لفلان بشرط أن يحج عنه، أو على أن تؤدى منه ما على الموصى له من ديون، فالأصل أن هذه الشروط صحيحة، ولا تستحق الوصية إلا إذا قام بشرط الموصي، كما قلنا ذلك في عقد الوقف؛ لأن الموصي إذا تبرع بماله فله أن يشترط من الشروط المباحة والتي له فيها غرض صحيح؛ فلا يخرج ماله إلا بشرطه، كما أن الهبات والتبرعات والوقف يجب أن يعمل فيها بشرط صاحبها، فكذلك الوصية.
ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»
(1)
.
(1)
. حديث (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)، معنى الحديث ثابت في الصحيحين من حديث أبي بكرة في البخاري (1741) ومسلم (1679)، ورواه البخاري (1739) من حديث ابن عباس (1739)، ومسلم من حديث جابر (1218). وحكمه في حرمة مال المسلم مقطوع به، مجمع عليه. هذا من حيث الفقه
وأما دراسة الحديث من حيث الإسناد، فقد سبق تخريج طرقه في عقد الشفعة، في مبحث (الشفعة على وفق القياس) فانظره مشكوراً في المجلد العاشر (ص: 159).
ولأن الموصي قد تبرع بماله بهذا الشرط، فوجب اعتباره كاعتبار شرط الواقف، والله أعلم.
جاء في البحر الرائق: «إذا أوصى بثلثه لرجل على أن يحج عنه فهذا جائز»
(1)
.
وهذا قول الأئمة خلافًا لابن حزم؛ فإنه يمنع الوصية بالحج؛ قال أبو محمد: «جواز الحج إذا أوصى به لا يوجد في شيء من النصوص، ولا يحفظ عن أحد من الصحابة، ولا يوجبها قياس؛ لأن الوصية لا تجوز إلا فيما يجوز للإنسان أن يأمر به في حياته بلا خلاف»
(2)
.
وقد فصلت الخلاف في الشروط المباحة في الوقف، وخلاف العلماء في اشتراط القربة فيها، هل يكون مطلقًا، أو فقط إذا كان الوقف على جهة؟
وما قيل في الوقف ينزل على الوصية، والله أعلم. ولي وقفة أخرى إن شاء الله تعالى في شروط الموصي، أسأل الله وحده العون والتوفيق.
* * *
(1)
. البحر الرائق (8/ 461)، وانظر الفتاوى الهندية (1/ 258)، المنتقى شرح الموطأ (6/ 178)، الذخيرة (3/ 201)، الأم للشافعي (2/ 129)، المبدع (6/ 41)، المغني (6/ 139).
(2)
. المحلى، (5/ 38).