الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسلامه؛ لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[64/ 43] من أتى حدًّا من الغزاة: لا يُقام عليه الحد في الغزو:
• المراد بالمسألة: إذا وقع المسلم المقاتل في ما يوجب حدًّا من الحدود أو القصاص، وهو في أرض الحرب، أو هم قد قاربوا العدو، فإنه لا يقام عليه الحد أو القصاص حتى يرجع إلى بلاد الإِسلام. وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وجملته أن من أتى حدًّا من الغزاة أو ما يوجب قصاصًا في أرض الحرب لم يقم عليه حتى يقفل فيقام عليه حده. . . ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم. . . وهذا اتفاق لم يظهر خلافه)(1).
ونقله مقرًّا له ابن القيم (751 هـ) في "إعلام الموقعين" وقال: (بل لو ادعى أنه إجماع الصحابة كان أصوب)(2)، وابن مفلح (884 هـ) في "المبدع" وقال:(وهو إجماع الصحابة)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: إسحاق بن راهويه وفقهاء الحنابلة والأوزاعي في حد القطع (4).
• مستند الإجماع: حديث بسر بن أرطاة، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم:"لا تقطع الأيدي في الغزو". وفي لفظ آخر: "لا تقطع الأيدي في السفر"(5).
• وجه الدلالة: أن الحديث ظاهر الدلالة في النهي عن إقامة حد القطع في الغزو، ويقاس عليه غيره من الحدود، كما فهم ذلك ابن القيم رحمه الله فقال:(إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تقطع الأيدي في الغزو؛ لئلا يكون ذريعة إلى إلحاق المحدود بالكفار، ولهذا لا تقام الحدود في الغزو كما تقدم)(6).
2 -
بما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى مسألة: "ألَّا يجلدَنَّ أميرَ جيشٍ
(1)"المغني"(13/ 172).
(2)
"إعلام الموقعين"(3/ 6).
(3)
"المبدع"(9/ 54).
(4)
انظر: "جامع الترمذي"(4/ 53)، و"الإنصاف"(10/ 169)، و"كشاف القناع"(6/ 88).
(5)
أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب الحدود، باب في الرجل يسرق في الغزو (4/ 564، برقم 4408)، والدارمي (2/ 231)، وأحمد (4/ 181)، والترمذي، كتاب الحدود (4/ 53، برقم 1450)، وقال: حديث غريب. وصححه الألباني في "مشكاة المصابيح" برقم (3601).
(6)
"إعلام الموقعين"(3/ 7).
أو سريةٍ ولا رجلًا من المسلمين حدًّا، وهو غازٍ، حتى يقطع الدرب قافلا؛ لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار" (1).
وجه الدلالة من هذا الأثر على تأخير الحد حتى الرجوع إلى دار الإِسلام ظاهرة؛ لنهيه رضي الله عنه عن إقامة الحد على الغزاة إلا إذا قطع الدرب راجعًا إلى دار الإِسلام، مبينًا رضي الله عنه علة التأخير بقوله: لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار.
3 -
وبما روى علقمة أنه قال: (كنا في جيش في أرض الروم ومعنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعلينا الوليد بن عقبة، فشرب الخمر فأردنا أن نحده، فقال حذيفة: أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعون فيكم)(2).
4 -
روي أنه أُتي سعد بن أبي وقاص بأبي محجن يوم القادسية، وقد شرب الخمر فأمر به إلى القيد، ولم يضربه الحد (3).
5 -
وقالوا: لا يقام الحد في دار الحرب خشية أن يلحق المحدود بدار الكفر، ويحمله الغضب على الدخول في الكفر (4).
• الخلاف في المسألة: وفي المسألة قولان آخران أشار إليهما ابن هبيرة في قوله: (واختلفوا هل تثبت الحدود في دار الحرب على من وجدت منه أسبابها؟ . . . ثم اختلف موجبو الحد على من أتى سببه في دار الحرب في استيفائه. فقال مالك والشافعي: يستوفى في دار الحرب، وقال أحمد: لا يستوفى في دار الحرب حتى يرجع إلى دار الإِسلام. وقال أبو حنيفة: إن كان في دار الحرب إمام مع جيش من المسلمين أقام عليهم الحدود في عسكره قبل القفول، فإن كان أمير سريه لم يقم الحدود. .)(5).
واستدل من قال باستيفاء الحدود في دار الحرب: بعموم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على وجوب إقامة الحدود على مرتكبيها من غير فرق بين مكان وزمان، ومن غير فرق بين دار إسلام وحرب (6).
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(9/ 171).
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 105).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9/ 243).
(4)
انظر: "المبدع"(9/ 59).
(5)
"الإفصاح"(2/ 302).
(6)
انظر: "الجامع لأحكام القرآن"(6/ 171)، و"الإشراف"(1/ 43).