الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 265].
• وجه الدلالة: حيث قيل: أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا على الإسلام (1).
وقال ابن كثير في تفسيره: (أي: لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيِّن وضِحٌ جلي دلائله وبراهينه، لا تحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه اللَّه للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته، دخل فيه على بينة، ومن أعمى اللَّه قلبه وختم على سمعه وبصره، فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهًا مقسورًا)(2).
2 -
ومما له دلالة ظاهرة ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موقفه من مولاه النصراني "أُسَّق" حيث كان يعرض عليه الإسلام فيأبى، فلم يكرهه عليه والإسلام في أوج قوته عن أُسَّق قال: كنت مملوكًا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان يقول لي: أسلم، فإنك إن أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين، فإنه لا ينبغي لي أن أستعين على أمانتهم من ليس منهم، قال: فأبيت فقال: لا إكراه في الدين. قال: فلما حضرته الوفاة أعتقني، وقال: اذهب حيث شئت (3).
3 -
أن الإكراه على الدخول في الدين لو كان جائزًا، لما كانت الجزية مشروعة إذا لم يقبل الكفار الدخول في الإسلام.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على أنه لا يجوز إجبار الأسير البالغ إذا كان كتابيًا على مفارقة دينه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[116/ 5] استرقاق الأسير:
• تعريف الاسترقاق:
• الاسترقاق لغة: الإدخال في الرق، والرق: كون الآدمي مملوكًا مستعبدًا (4).
(1)"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 281)، و"أحكام القرآن" للجصاص (2/ 169).
(2)
"تفسير القرآن العظيم"(1/ 311).
(3)
أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(1/ 43)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(3/ 108).
(4)
"لسان العرب"(10/ 121)، مادة:(رقق).
• وفي الاصطلاح: الرق: عجز حكمي شُرع في الأصل جزاء عن الكفر (1).
• المراد بالمسألة: إذا ظهر المسلمون على الحربيين؛ فإن الإمام مخيَّرٌ بعد أسرهم أن يحكم عليهم بالرق، فيكونون مملوكين بأيدي المسلمين، وقد نُقل الإجماع على جواز ذلك في الجملة.
• من نقل الإجماع: ابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (فأما النكاية التي هي الاستبعاد، فهي جائزة بطريق الإجماع في جميع أنواع المشركين، أعني ذكرانهم وإناثهم وشيوخهم وصبيانهم وكبارهم إلَّا الرهبان، فإن قومًا رأوا أن يتركوا دون أن يتعرض إليهم لا بقتل ولا استعباد)(2).
والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (وكذلك الرقاب أعني الأسارى الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4) في غير ذكور مشركي العرب، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة في غير من لا يقر على الجزية من عبدة الأوثان ومن يحرم قتلهم غير النساء والصبيان (7)، والظاهرية في غير الحربي من العرب (8).
• مستند الإجماع:
1 -
الآيات القرآنية الكريمة التي أباحت ملك اليمين الذي يعني ملكية الرقيق، وهذا يقتضي مشروعية الاسترقاق، كقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3].
2 -
والأحاديث النبوية في ذلك كثيرة تعز عن الحصر، وقد عقد علماء الحديث أبوابًا عن الاسترقاق ومعاملة الرقيق وتحريرهم، ومن هذه الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: "إن إخوانكم خولكم جعلهم اللَّه تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما
(1)"التعريفات"(ص 148).
(2)
"بداية المجتهد"(1/ 382).
(3)
"الجامع لأحكام القرآن"(8/ 4).
(4)
انظر: "بدائع الصنائع"(7/ 119)، و"الهداية"(2/ 153).
(5)
انظر: "جواهر الإكليل"(1/ 257)، و"بداية المجتهد"(1/ 382).
(6)
انظر: "نهاية المحتاج"(8/ 66)، و"الأحكام السلطانية" للماوردي (ص 115).
(7)
انظر: "المغني"(13/ 209)، و"الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص 142).
(8)
انظر: "المحلى"(11/ 304).
يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم" (1).
3 -
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال لعامل كسرى: "فأمرنا نبينا رسول ربنا صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا اللَّه وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة في نعيم لم ير مثلها قط، ومن بقي منا ملك رقابكم"(2).
• وجه الدلالة: أن قوله: (ملك رقابكم) الظاهر منه هو استرقاق من لم يُقتل من أهل الحرب في القتال الذين يقعون في أسر المسلمين وقبضتهم (3).
4 -
ومما يدل على جواز الاسترقاق والاستعباد للأسرى إجماع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، قال ابن رشد القرطبي (595 هـ):(وأجمعت الصحابة بعده على استعباد أهل الكتاب ذكرانهم وإناثهم)(4).
• الخلاف في المسألة: يرى الحسن، وعطاء، وسعيد بن جبير أن حكم الأسير دائرٌ بين المن والفداء فقط (5).
وحجتهم: قوله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4].
• وجه الدلالة: حيث حصرت الآية الكريمة حكم الأسارى بين المن والفداء، والاسترقاق خارج عن هذين الأمرين.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على مشروعية استرقاق الأسرى في الجملة إن رأى الإمام المصلحة في ذلك، لعدم الخلاف المعتبر، وأما خلاف الحسن، وعطاء، وسعيد بن جبير فحادث بعد إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فلا يقدح في صحة الإجماع.
أن الإجماع متحقق على جواز الاسترقاق للنساء والصبيان والمقاتلين من أهل
(1) أخرجه البخاري، كتاب العتق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم االعبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكون" (2/ 899، برقم 2407).
(2)
أخرجه البخاري، أبواب الجزية والموادعة، باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب (3/ 1152، برقم 2989).
(3)
انظر: "الجهاد والقتال في السياسة الشرعية"(ص 1551).
(4)
"بداية المجتهد"(1/ 279).
(5)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (ص 5/ 269)، و"الجامع لأحكام القرآن"(16/ 227)، و (المغني، (10/ 400).