الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• أما المستند في سهم المسلمين: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "استعان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيهود بني قينقاع، فرضخ لهم، ولم يسهم لهم"(1).
• أما المستند فيمن حضر قاصدًا المعركة قاتل أو لم يقاتل:
1 -
فعن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول اللَّه، الرجل يكون حامية القوم يكون سهمه وسهم غيره سواء؟ قال:"ثكلتك أمك ابن أم سعد، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ "(2).
2 -
وأثر عمر أنه قال: "الغنيمة لمن شهد الوقعة"(3).
3 -
ولأنه ليس كل الجيش يقاتل؛ لأن ذلك خلاف مصلحة الحرب؛ لأنه يحتاج إلى أن يكون بعضهم في الردء، وبعضهم يحفظون السواد، على حسب ما يحتاج إليه في الحرب.
4 -
ومما يدل على اشتراط (قصد القتال) لاستحقاق الغنيمة، أن اللَّه -تعالى- أضاف الغنيمة إلى من غنمها، وملكها لهم بذلك دون من سواهم، فكان الحق في ذلك لمن عمل فغنم، دون من لم يتصف بذلك كالتاجر والأجير يشتغلان بالكسب والاحتراف فقط، فهذا لا خلاف ولا إشكال أنه لا حق له.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على أن من توفرت فيه تلك الشروط استحق من الغنيمة، لعدم المخالف المعتبر في ذلك، واللَّه تعالى أعلم.
[84/ 14] استحقاق السرايا الخارجة من الجيش الواحد من الغنيمة:
• المراد بالمسألة: بيان أن الجيش الخارج إلى بلاد العدو، والذي انفردت منه سرية أو سرايا لمصلحة ما، أن ما غنمت تلك السرية أو السرايا الخارجة من جملة الجيش، فهي والجيش سواء في القسم، فيجمع جميع ما غنموه، ثم يقسم بينهم جميعًا، وقد نقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن غنائم
(1) أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"(9/ 37 برقم 17655)، وقال عقبه:(هذا الحديث لم أجده إلا من حديث الحسن بن عمارة وهو ضعيف).
(2)
أخرجه أحمد في "مسنده"(1/ 173، برقم 1493).
(3)
سبق تخريجه.
السرايا الخارجة من العسكر الواحد يضم بعضها إلى بعض ويقسم عليهم مع جميع أهل ذلك العسكر) (1) وقال أيضًا: (واتفقوا أن الجيش الواحد إذا كانوا بأعداد كثيرة وكان لكل طائفة منهم أمير، إذا كانوا مضمومين في جيش واحد أنهم كلهم شركاء فيما غنموا أو غنمت سراياهم)(2).
وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (لا يختلف العلماء أن السرية إذا أخرجت من العسكر فغنمت، أن أهل العسكر شركاؤهم فيها)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
وهو قول كثير من أهل العلم، قال ابن المنذر:(واختلفوا فيما تصيب السرايا، فقال كثير من أهل العلم: إذا خرج الإِمام أو القائد إلى بلاد العدو، فأقام بمكان وبعث سرية، أو سرايا في وجوه شتى، فأصابت السرايا مغنمًا أن ما أصابت بينها وبين العسكر، وكذلك لو أصاب العسكر شيئًا، شركهم من خرج في السرية لأن كل فريق منهم ردء لصاحبه، أو لأصحابه، ففي قول مالك، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأصحاب الرأي: ترد السرايا على العسكر، والعسكر على السرايا)(8).
• مستند الإجماع:
1 -
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون تكافأ دماؤهم، يسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم، يرد مشدهم على مضعفهم، ومتسريهم على قاعدهم (9) "(10).
• وجه الدلالة: حيث دل الحديث على أن الإِمام أو أمير الجيش إذا بعث سرية وهو
(1)"مراتب الإجماع"(ص 199).
(2)
المرجع السابق (ص 200).
(3)
"التمهيد"(14/ 48).
(4)
انظر: "المبسوط"(10/ 35، 46).
(5)
انظر: "المدونة"(1/ 571)، و"الاستذكار"(14/ 100).
(6)
انظر: "البيان"(12/ 225).
(7)
انظر: "حاشية الروض المربع"(4/ 281).
(8)
"الأوسط"(11/ 151).
(9)
المُشِدُّ: من كانت دوابه أشداء. والمُضعف: من كانت دوابه ضعافًا. والمُتسرِّي: الخارج في السَّريَّة. انظر: "عون المعبود"(7/ 427).
(10)
أخرجه أبو داود في "سننه"(4/ 181، برقم 4531)، وابن ماجه في "سننه"(2/ 895، برقم 2683). وقال عنه الألباني: "حسن صحيح" كما في "صحيح سنن أبي داود"(رقم 2751).
خارج إلى بلاد العدو، فإن غنموا شيئًا كان بينهم وبين الجيش عامة، لأنهم ردء لهم وفئة. وهذا معنى قوله:(ومتسريهم على قاعدهم) أي: بشرط كونه في الجيش (1).
2 -
وعن ابن عمر قال: "بعثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد، وانبعثت سرية من الجيش، فكان سهمان الجيش اثني عشر بعيرًا، اثني عشر بعيرًا، ونفل أهل السرية بعيرًا بعيرًا، فكانت سهمانهم ثلاثة عشر، ثلاثة عشر"(2).
• وجه الدلالة: أن الحديث صريح في اشتراك الجيش مع السرية، مع أن من باشر الغنيمة هم أصحاب السرية، ثم إنه صلى الله عليه وسلم كافأهم نظير بلائهم بزيادة بعير علاوة على سهامهم عن سائر أفراد الجيش.
3 -
ولأن كل فريق ردء لصاحبه، يلجأ إليه إذا حزبه أمر فيشترك كل فريق مع ما يغنمه صاحبه.
• الخلاف في المسألة: وخالف بعض أهل العلم جمهور الفقهاء على قولين آخرين:
• القول الأول: ذهب الحسن البصري إلى التفصيل فقال:
إذا خرجت السرية بإذن الأمير، فما أصابوا من شيء خمَّسه الإِمام، وما بقي فهو لتلك السرية.
وإذا خرجوا بغير إذنه خمَّسه الإمام، وكان ما بقي بين الجيش كلهم (3).
• القول الثاني: وذهب إبراهيم النخعي إلى أن ذلك راجع إلى الإِمام فهو بالخيار: إن شاء خمَّسه، وإن شاء نفلهم كلهم (4).
ولم أقف على ما استندوا إليه، فلعله اجتهاد منهما -رحمهما اللَّه.
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق على أن السرايا الخارجة من الجيش الواحد تشترك معه في الغنيمة، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
* * *
(1)"عون المعبود"(12/ 263).
(2)
سبق تخريجه.
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(5/ 191، رقم 9338)، وابن المنذر في "الأوسط"(11/ 152).
(4)
أخرجه عنه عبد الرزاق في "المصنف"(5/ 191، رقم 9339).