الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عباس، ورجحه ابن جرير والسرخسي (1).
• وحجتهم: أن التنفيل في اللغة: الزيادة. قالوا: فهذا هو الذي يسمى نفلًا على الحقيقة؛ لأنها زيادات يزادها الرجل فوق سهمه من الغنيمة، ويتأيد هذا القول بحديث عبد اللَّه بن عمر:
• "أن رسول اللَّه-صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد اللَّه بن عمر قِبَلَ نجد، فغنموا إبلًا كثيرة، فكان سهمانهم اثني عشر بعيرًا -أو: أحد عشر بعيرًا- ونفلوا بعيرًا بعيرًا"(2).
• ووجه الدلالة: أنه ذكر فيه التنفيل زيادة على القسم، فكان النفل شيئًا زائدًا على السهم من جملة الغنيمة.
والقول الثاني: أن الأنفال هي الخمس خاصة؛ كان المهاجرون سألوا لمن هو؟ فأنزل اللَّه عز وجل في ذلك: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال: 1] وروي هذا القول عن مجاهد (3).
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق على أن معنى الأنفال هو الغنائم في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] لوجود الخلاف المعتبر بين العلماء، واللَّه تعالى أعلم.
[75/ 5] تحديد وعاء الغنيمة في الأموال المنقولة التي يجوز بيعها:
• المراد بالمسألة: بيان أن الغنيمة تشمل جميع ما غنمه المسلمون من أموال أهل الحرب المنقولة التي يجوز بيعها، كالفضة والذهب والسلاح والآلة والعروض
(1) انظر: "جامع البيان"(13/ 362)، و"شرح السير الكبير"(2/ 594).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب في السرية التي قِبَلَ نجد (3/ 1141، برقم 2965).
(3)
أخرجه عنه ابن جرير في "التفسير"(9/ 170). ثم قال بعد ذكره أقوال العلماء: (قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى الأنفال قول من قال: هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم؛ . . . وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال بالصواب؛ لأن النفل في كلام العرب، إنما هو الزيادة على الشيء، يقال منه: نفلتك كذا، وأنفلتك: إذا زدتك، والأنفال: جمع نفل؛ ومنه قول لبيد بن ربيعة:
أن تقوى ربِّنا خيرُ نَفَلْ
…
وبإذنِ اللَّهِ رَيْثي والعَجَل
وإذا كان ذلك معنى النفل، فتأويل الكلام: يسألك أصحابك يا محمد عن الفضل من المال الذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفار قريش؛ الذين قتلوا ببدر لمن هو؟ قل لهم يا محمد: هو للَّه ولرسوله دونكم، يجعله حيث شاء).
والأمتعة والخيل والسبي وغير ذلك، سوى الأرضين (1)، والأسلاب، وما يأخذه المجاهدون من طعامهم أو علف دوابهم، وقد نقل الإجماع على قسمة الأموال المنقولة بين الغانمين.
• من نقل الإجماع: أبو جعفر الطبري (310 هـ) حيث يقول: (أجمعوا أن ما كان جائزًا بيعه، فجائز قسمه في المغانم)(2).
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن أموال أهل الحرب كلها مقسومة، واختلفوا في أموال الرهبان والأرضين)(3).
وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (اتفقوا على أن ما حصل في أيديهم من الغنيمة من جميع الأموال عينها وعروضها سوى الأراضي فإنه يؤخذ منه الخمس)(4).
وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (من صار منهم رقيقًا بضرب الرق عليه، أو فودي بمال فهو كسائر الغنيمة يخمس، ثم يقسم أربعة أخماسه بين الغانمين لا نعلم في هذا خلافًا)(5).
وأبو العباس القرطبي (656 هـ) حيث يقول: (ولم يختلف العلماء أن أربعة أخماس الغنيمة تقسم بين الغانمين، وأعني بالغنيمة ما عدا الأرضين فإن فيها خلافًا يذكر إن شاء اللَّه. .)(6).
والنووي (676 هـ) حيث يقول: (وفي هذه الأحاديث دليل لمذهب الشافعي وموافقيه أن الأرض التي تفتح عنوة تقسم بين الغانمين الذين افتتحوها، كما تقسم بينهم الغنيمة المنقولة بالإجماع)(7).
(1) اختلفوا في قسمة الأراضي (العقار) فمنهم من قال: الخيار في ذلك بيد الإمام حسب المصلحة، ومنهم من قال: هي وقف للمسلمين، ومنهم من قال: يجب قسمتها ولا خيار في ذلك، والراجح واللَّه أعلم أن الإمام مخير في قسمتها أو تركها حسب المصلحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم فتح بلادًا كثيرة ولم يقسمها، وفتح خيبر وقسمها، فمن قسم فحسن، ومن لم يقسم فحسن وله في سنة النبي صلى الله عليه وسلم قدوة. انظر:"المدونة"(1/ 13)، و"الأم"(4/ 181)، و"حاشية الروض المربع"(4/ 284)، و"المحلى بالآثار"(7/ 344)، و"زاد المعاد"(3/ 117).
(2)
اختلاف الفقهاء" (ص 177).
(3)
"مراتب الإجماع"(ص 203).
(4)
"الافصاح"(2/ 304).
(5)
"المغني"(13/ 49).
(6)
المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم" (3/ 555).
(7)
"شرح صحيح مسلم"(10/ 211).
وابن جماعة (733 هـ) حيث يقول: (إذا كسر جيش المسلمين جيش الكفار، أو فتح المسلمون بلدًا، أو حصنا عنوة، فذلك البلد وكل ما فيه من الأموال غنيمة مخمسة بلا خلاف، وكذلك كل ما أصابوه من أموالهم في المصاف، أو أخذوه بغلبة ومَنَعَةٍ في غير مصاف، غنيمة مخمسة مقسومة يجب تخميسها وقسمتها بلا خلاف)(1).
والسيوطي (880 هـ) حيث يقول: (اتفق الأئمة على أن ما حصل في أيدي المسلمين من مال الكفار بإيجاف الخيل والركاب فهو غنيمة عينه وعروضه)(2).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6)، والظاهرية (7).
• مستند الإجماع:
1 -
عموم قوله عز وجل {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41]، وقوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} [الأنفال: 69].
• وجه الدلالة: أن قوله سبحانه في الآية الأولى: {مِنْ شَيْءٍ} : نكرة في سياق الشرط فتعم جميع ما يغنمه المسلمون من أموال أهل الحرب. وكذا قوله تعالى في الآية الثانية: {مِمَّا غَنِمْتُمْ} فإن (ما) اسم موصول يفيد العموم. فكان عموم الآيتين يقتضي تخميس كل شيء استولي عليه من الكفار، وقسم سائره في الغانمين؛ إلا أن يخص شيئًا من ذلك دليل فيوقف عنده.
2 -
وبعموم حديث جابر بن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي"، وذكر منها:"وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي"(8).
3 -
"أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم فداء أسرى بدر بين الغانمين"(9).
• وجه الدلالة: أن الرقيق ومال الفداء مال غنمه المسلمون فأشبه باقي مال الغنيمة
(1)"تحرير الأحكام في تدبير أهل الإِسلام"(1/ 183).
(2)
"جواهر العقود"(1/ 380).
(3)
انظر: "المبسوط"(10/ 9)، و"بدائع الصنائع"(6/ 92).
(4)
انظر: "البيان والتحصيل"(3/ 15)، و"النوادر والزيادات"(3/ 199).
(5)
انظر: "الأم"(4/ 146)، و"الحاوي الكبير"(10/ 425)، و"روضة الطالبين"(10/ 260).
(6)
انظر: "المبدع"(3/ 270).
(7)
انظر: "المحلى بالآثار"(7/ 344).
(8)
أخرجه البخاري، كتاب الخمس، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أحلت لكم"(3/ 1135، برقم 2954).
(9)
أخرجه أبو داود في "سننه"، باب في فداء الأسير بالمال (3/ 61، برقم 2690) والبيهقي في "سننه الكبرى"، باب ما جاء في مفاداة الرجل بالمال (9/ 68).