الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني مسائل الإجماع في أحكام الجهاد
[22/ 1] جواز الاستعانة بالمنافق في جهاد الكفار:
• التعريف بالمنافق: النفاق في اللغة: ضرب من التمويه والستر والتغطية، وحقيقته: إظهار شيء وإبطان ضده. مشتق من النافقاء إحدى جِحَرَةِ اليربوع، يكتمها ويظهر غيرها، فإذا طلب من واحد هرب إلى الآخر وخرج منه، وهكذا يفعل المنافق، يدخل في الإسلام ثم يخرج منه من غير الوجه الذي دخل فيه (1).
والنفاق شرعًا: هو إظهار الإيمان وستر الكفر (2).
فالمنافق هو: من أظهر الإيمان وأبطن الكفر.
وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على جواز الاستعانة بالمنافق في جهاد الكفار.
• من نقل الإجماع: الصنعاني (1182 هـ) حيث يقول: (ويجوز الاستعانة بالمنافق إجماعًا لاستعانته صلى الله عليه وسلم بعبد اللَّه بن أبي وأصحابه)(3).
والشوكاني (1255 هـ) حيث يقول: (قال في "البحر" (4): وتجوز الاستعانة بالمنافق إجماعًا؛ لاستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بابن أبي وأصحابه) (5).
• الموافقون للإجماع: لم أقف على أحد من أهل العلم أجاز الاستعانة بالمنافقين في قتال الكفار مطلقًا سوى الصنعاني والشوكاني -رحمهما اللَّه- غير أن بعض الحنابلة في قول مُضعَّفٍ في المذهب استثنوا من تحريم الاستعانة بهم حال الضرورة (6).
• مستند الإجماع: استند القائلون بجواز الاستعانة بالمنافقين في قتال الكفار بما يأتي:
1 -
بأن المنافقين كانوا يخرجون مع النبي صلى الله عليه وسلم في المغازي، كما خرج عبد اللَّه
(1) انظر: "لسان العرب"(10/ 359)، مادة (نفق).
(2)
"النهاية في غريب الحديث"(5/ 97).
(3)
"سبل السلام"(4/ 50).
(4)
هو "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" مطوع في خمسة أجزاء، ومؤلفه المهدي لدين اللَّه المتوفى سنة (840 هـ)، من أئمة الزيدية باليمين. انظر:"البدر الطالع"(1/ 122).
(5)
"نيل الأوطار"(8/ 44).
(6)
انظر: "الفروع"(6/ 192)، و"الإنصاف"(10/ 118).
ابن أبي مع المسلمين في غزوة بني المصطلق (1)، وخرج بعضهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك (2)، فدلَّ ذلك على جواز الاستعانة بهم في قتال الكفار.
2 -
ويمكن أن يُستدل لهم أيضًا بأن المنافقين في الدنيا تجري عليهم أحكام أهل الإسلام في الظاهر (3)، ما دام كفرهم مخفيًّا غير معلن، وكانوا يظهرون الإسلام، لأن كفرهم مظنون غير معلوم، ويبعثون يوم القيامة على نياتهم. فلا يمنعون من الصلاة في مساجد المسلمين، وكذا في الخروج للجهاد في سبيل اللَّه.
• الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الشافعية (4) والحنابلة (5)، وذكروا أنه يلزم الإمام إذا أراد الغزو أن يتفقد الجيش، ويتعاهد الخيل والرجال؛ فيمنع كل من فيه ضرر على جيش المسلمين كالمُخذّل (6) والمرجف (7) ومن عُرف بنفاق، ويردهم عن الخروج في الجيش.
واستدلوا على المنع من الاستعانة بالمنافقين بما يأتي:
1 -
قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47)} [التوبة: 46، 47].
• وجه الدلالة: حيث دلَّت الآية الكريمة أن اللَّه لما علم ما في خروج المنافقين للجهاد من فساد بالتخويف والإرجاف للمؤمنين ثبَّطهم عنه؛ إذ كان خروجهم حينئِذٍ معصية وفساد واللَّه لا يحب الفساد. فدلَّ ذلك على التحذير والمنع من الاستعانة بهم في الجهاد (8).
(1) انظر: "فتح الباري"(8/ 458)، و"سيرة ابن هشام"(2/ 297).
(2)
انظر: "شرح النووي على صحيح مسلم"(17/ 125)، و"زاد المعاد"(3/ 477).
(3)
انظر: "الإيمان الأوسط" لشيخ الإسلام (ص 167).
(4)
انظر: "الأم"(8/ 377).
(5)
انظر: "الشرح الكبير"(10/ 118)، و"أسنى المطالب"(3/ 189).
(6)
المراد بالمخذِّل هو: من يفند الناس عن الغزو ويزهدهم في القتال والخروج إليه، كمن يقول:"لا تؤمن هزيمة الجيش" أو يقول:
الحر أو البرد شديد والمشقة شديدة". انظر: "المطلع" (ص 213).
(7)
والمرجف: الذي يحدث بقوة الكفار وضعف المسلمين وهلاك بعضهم ويخيل لهم أسباب ظفر عدوهم بهم كمن يقول: "هلكت سرية المسلمين أو لا مدد لهم أو طاقة بالكفار". انظر: "المطلع"(ص 213).
(8)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (4/ 320).