الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: "جهادكن الحج"(1).
قال ابن حجر: (وقال ابن بطال: دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله: "جهادكن الحج" أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد، وإنما لم يكن عليهن واجبًا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال)(2).
3 -
عن أم زياد الأشجعية "أنها خرجت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، سادسة ست نسوة، فبلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فبعث إلينا، فجئنا فرأينا منه الغضب فقال: "مع من خرجتن؟ ! فقلنا: يا رسول اللَّه خرجنا نغزل الشعر ونعين به في سبيل اللَّه، ومعنا دواء للجرحى ونناول السهام ونسقي السويق. فقال:"قمن" حتى إذا فتح اللَّه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال. فقلت لها: يا جدة ما كان ذلك؟ قالت: تمرًّا" (3).
4 -
عن رباح بن الربيع قال: "غزونا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس فأفرجوا له، فقال: "ما كانت هذه لتقاتل فيمن يقاتل" (4).
5 -
وللافتتان بهن، مع أنهن لسن من أهل القتال، لاستيلاء الخوف والجبن عليهن، ولأنه لا يؤمن ظفر العدو بهن، فيحلون منهن ما حرم اللَّه تعالى (5).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[15/ 15] الغزو بالنساء لأجل مداواة المرضى وإسعاف الجرحى:
• المراد بالمسألة: بيان أن الغزو بالنساء لأجل مداواة المرضى، وإسعاف الجرحى جائز، وقد نقل الإجماع على ذلك.
(1) أخرجه البخاري، كتاب "الجهاد"، باب جهاد النساء (3/ 1054، برقم 2720).
(2)
"فتح الباري"(6/ 76).
(3)
أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب "الجهاد"، باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة (3/ 75، برقم 2712)، وأحمد في "المسند"(6/ 371)، وضعفه الألباني في "إرواء الغليل"(5/ 71).
(4)
أخرجه أبو داود في "السنن"، كتاب "الجهاد"، باب في قتل النساء (3/ 6 برقم 2669)، وأحمد في "المسند"(3/ 488)، والحاكم (2/ 122)، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقال عنه الألباني: حسن. انظر: "إرواء الغليل"(5/ 35).
(5)
"المغني"(13/ 35).
• وممن نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (وفي هذا الغزو بالنساء وهو مجمع عليه)(1).
ابن النحاس (814 هـ) حيث يقول: (اتفقوا على أنه لا يسافر بالنساء إلى أرض العدو إلا أن يكون في جيش عظيم يؤمن عليهم)(2).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
• مستند الإجماع:
1 -
عن الرُّبَيِّع بنت معوذ رضي الله عنهما قالت: "كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة"(7).
2 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن أم سليم رضي الله عنها اتخذت يوم حنين خنجرًا، فكان معها، فرآها أبو طلحة فقال: يا رسول اللَّه، هذه أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الخنجر؟ " قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يضحك. . . "(8).
3 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم، ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى"(9).
4 -
عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: "غزوت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى"(10).
5 -
وسئل ابن عباس رضي الله عنها: هل كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ فقال: "نعم، كان يغزو بهن فيداوين الجرحى. . "(11).
(1)"شرح صحيح مسلم". (12/ 428).
(2)
"مشارع الأشواق"(2/ 1068).
(3)
انظر: "الاختيار لتعليل المختار"(4/ 139).
(4)
انظر: "المدونة"(1/ 498).
(5)
"مغني المحتاج"(4/ 287).
(6)
"كشاف القناع"(3/ 70)، "شرح الزركشي على متن الخرقي". (4/ 139).
(7)
أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب رد النساء الجرحى والقتلى (3/ 1056، رقم: 2727).
(8)
أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة النساء مع الرجال (5/ 196، رقم 4783).
(9)
المصدر السابق (5/ 196، رقم 4785).
(10)
أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن (5/ 199، رقم 4793).
(11)
المصدر السابق (9/ 197، رقم 4787).
وجه الدلالة من تلك النصوص على جواز الغزو بالنساء: أن خروج النساء في الغزو كان أمرًا مشتهرًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكره صلى الله عليه وسلم ولم يرد عن أحد من أصحابه إنكاره، مما يدل على جواز ذلك.
• الخلاف في المسألة: لم أجد من خالف في هذه المسألة إلا الحسن البصري رحمه الله، فإنه كان يكره أن تخرج النساء إلى شيء من هذه الفروج (1) -يعني الثغور- لكن لم أجد من وافق الحسن على رأيه هذا، بل هو مخالف للإجماع الذي حكاه النووي، وللنصوص الصريحة الصحيحة التي ذكرتها في مستند الإجماع.
ولعل رأي الحسن رحمه الله يُحمل على خروجهن مع السرية الصغيرة؛ فإنه يكره خشية سبيهن واسترقاقهن.
النتيجة:
الذي يظهر -واللَّه أعلم- هو صحة الإجماع الذي حكاه النووي على جواز الغزو بالنساء، وأما الخلاف الوارد في ذلك فهو خلاف ضعيف لا تعضده النصوص الشرعية، ولا يمكن أن ينخرم الإجماع بمثل هذا الخلاف. إلا أن جواز الغزو بالنساء ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بقيود وضوابط يذكرها الفقهاء، وهي على سبيل الإجمال:
1 -
أن يكون خروجهن في الجيش الذي له قوة ومنعة، أما خروجهن في السرية الصغيرة فيكره خشية سبيهن وتعريضهن للضياع (2).
2 -
أن يكون معها محرم إذا كان الغزو مسافة سفر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"(3). وإن كان دون مسافة السفر فلا بأس أن تخرج بدون محرم، ولكن لا بد من إذن زوجها إن كانت ذات زوج، إلا إذا كان النفير عامًّا، وكان في خروجها قوة للمسلمين فلا بأس أن تخرج بدون إذن، لأجل الضرورة (4).
3 -
أن تكون وظيفتها في الغزو سقي المجاهدين ومداواة المرضى والجرحى، فلا تباشر القتال لضعفها وخورها، ولأنها سورة ولا يؤمن أن ينكشف شيء منها في حال
(1) انظر: "المصنف" لابن أبي شيبة (7/ 729).
(2)
انظر: "المدونة"(1/ 498)، "طرح التثريب"(8/ 49).
(3)
أخرجه البخاري أبواب الإحصار وجزاء الصيد باب: حج النساء (2/ 658، رقم 1763).
(4)
انظر: "شرح السير الكبير"(4/ 145)، و"العناية شرح الهداية"(5/ 451).