الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"كفوا أيديكم عنهم فإني لم أومر بقتالهم"، فلما هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأمرهم اللَّه تعالى بقتال المشركين كرهه بعضهم وشق عليهم، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية (1).
4 -
عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف، وأصحابًا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول اللَّه، كنا في عز ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة! . فقال:"إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا"، فلما حوله اللَّه إلى المدينة أمر بالقتال فكفوا، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} (2).
• وجه الدلالة: حيث قابل النبي صلى الله عليه وسلم طلب الإذن في منازلة كفار مكة بالقتال قبل الهجرة بالرفض حيث قال: "كفوا أيديكم فإني لم أومر بقتالهم"، وقال:"إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا"، وهذا يدل على أنه كان محظورًا عليهم حينذاك.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[2/ 2] ابتداء مشروعية الجهاد بعد الهجرة:
• المراد بالمسألة: هذه هي المرحلة الثانية من مراحل تشريع الجهاد وهي إباحة القتال في سبيل اللَّه دون أن يفرض (3). فهذه المرحلة لك أن تقاتل الأعداء، ولك ألَّا تقاتلهم ولا شيء عليك، وهي مرحلة إعداد وتهيئة للمرحلة التالية لها. ولهذا نقل اتفاق أهل العلم أن أول ما شُرع الجهاد كان بعد هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة النبوية.
• وممن نقل الإجماع: الحافظ ابن حجر العسقلاني (852) هـ حيث يقول: (فأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقًا)(4).
• الموافقون للإجماع: وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وغير
(1)"أسباب نزول القرآن"(ص 111).
(2)
أخرجه النسائي في سننه، كتاب "الجهاد"، باب وجوب الجهاد (6/ 3، برقم 3086)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 307) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الألباني: صحيح الإسناد كما في "صحيح سنن النسائي" برقم (2891).
(3)
"أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية". د/ علي بن نفيع العلياني (ص 142).
(4)
"فتح الباري" لابن حجر (6/ 37).
واحد من السلف (1) وصرَّح به الشافعية (2)، وعامة أهل التفسير (3).
• مستند الإجماع: استدلوا بمجموعة من الأدلة منها ما يلي:
1 -
قوله عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ} [الحج: 39، 40].
• وجه الدلالة: أن هذه الآية أول ما نزل في مشروعية الجهاد، وقوله:{أُخْرِجُوا} صريح في أنه نزل في شان الهجرة. فدل ذلك أن الجهاد إنما شُرع بعد الهجرة.
2 -
عَنِ ابن عباس قال: "لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: "أخرجوا نبيهم إنا للَّه وإنا إليه راجعون ليهلكن"، فنزلت: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} قال أبو بكر: "فَعُرِفَ أنه سَيَكُونُ قِتَال" قال ابن عباس: "هي أَوَّلُ آيَةٍ نزَلت في القتال" (4).
• وجه الدلالة: حيث دلَّ الأثر أن الإذن بالجهاد وقتال الكفار كان بعد الهجرة؛ لنزول الآية التي تبيح مقاتلة الكفار بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرًا من مكة إلى المدينة.
3 -
وعن الزهري قال: أول آية نزلت في القتال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} الآية بعد مقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة (5).
يقول السيوطي -بعد أن ساق جملة من الآثار التي تؤيد هذا المعنى-: (هذه الآثار كلها متضافرة على أن ذلك كان في السنة الأولى من الهجرة)(6).
قال الحافظ ابن كثير: (وإنما شرع اللَّه تعالى الجهاد في الوقت الأليق به؛ لأنهم لما كانوا بمكة كان المشركون أكثر عددًا، فلو أمر المسلمين، وهم أقل من العشر بقتال الباقين لشق عليهم. . . فلما استقروا بالمدينة، ووافاهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واجتمعوا
(1) انظر: "تفسير القرآن العظيم"(5/ 43).
(2)
انظر: "البيان" للعمراني (12/ 93).
(3)
انظر: "تفسير الطبري"(18/ 643)، و"الجامع لأحكام القرآن"(3/ 38).
(4)
أخرجه أحمد في "مسنده"(1/ 216، برقم 1865)، والترمذي في "السنن"، كتاب التفسير، باب ومن سورة الحج، وقال: هذا حديث حسن (5/ 325، رقم: 365)، والحاكم (2/ 66)، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه علي "المسند" رقم (1865)، كما صحح إسناده الشيخ الألباني في "صحيح سنن الترمذي" رقم (2535).
(5)
"سيرة ابن هشام"(2/ 345).
(6)
"الحاوي للفتاوي"(1/ 235).