الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وجه الدلالة: أن الحديث نص صريح في سقوط الجزية عن المسلم.
3 -
لأن الحول شرط في وجوبها فإذا وجد الرافع لها وهو الإسلام قبل تقرر الوجوب -قبل وجود شرط الوجوب- لم تجب كالزكاة.
4 -
ولأن الجزية وجبت بطريق العقوبة، لا بطريق الديون، وعقوبات الكفر تسقط بالإسلام كالقتل، وبهذا فارق سائر الديون.
5 -
ولأنها وجبت وسيلة إلى الإسلام فلا تبقى بعد الإسلام.
6 -
ولأن الجزية صغار، فلا تؤخذ منه، كما لو أسلم قبل الحول.
• الخلاف في المسألة: ويرى الشافعية في الأصح وأبو ثور أن الجزية لا تسقط بالإسلام، بل تؤخذ منه بعد إسلامه (1).
• وحجتهم: أن الجزية حق ثبت في الذمة، ووجبت عوضًا عن حقن الدم والسكنى في دار الإسلام، وقد استوفى المعوض، فتقرر العوض وهو الجزية، كالخراج وسائر الديون.
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق على أن الجزية تسقط بالإسلام قبل انقضاء الحول، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[150/ 21] جواز أخذ العُشر على تجار أهل الذمة زيادة على الجزية إذا شُرط عليهم:
• تعريف العشر:
• العشر هو: ما يُفرض على الكفار في أموالهم المعدَّة للتجارة، إذا انتقلوا بها من بلد إلى بلد في دار الإسلام، وسميت بذلك لكون المأخوذ عُشرًا أو مضافًا إلى العشر، كنصف العشر وربعه (2).
= 633)، وأخرج أبو داود (الجزء الآخر من الحديث) في "سننه"، كتاب الخراج، باب في الذمي يسلم في بعض السنة هل عليه جزية؟ (3/ 171 رقم 3053)، وابن أبي شيبة (3/ 197)، وأحمد (1/ 285، برقم 2576)، وأبو عبيد في "الأموال"(ص 59) والدارقطني (4/ 156)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 199) من طرقٍ عن قابوس بن ظبيان عن أبيه عن ابن عباس. وجوَّد إسناده شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(28/ 635)، وضعفه الألباني وعلته قابوس وهو ضعيف. انظر:"إرواء الغليل"(5/ 99).
(1)
انظر: "البيان"(12/ 260)، و"مغني المحتاج"(4/ 330)، و"فقه الإمام أبي ثور"(ص 796).
(2)
انظر: "أنيس الفقهاء"(ص 133)، و"المطلع على "أبواب المقنع" (ص 219).
• المراد بالمسألة: أن أخذ العشر من تجارة غير المسلمين عند دخولهم بها إلى دار الإسلام، إذا كان ذلك شرطًا عليهم جائز، ويصبح واجبًا عليهم ما لم تكن بالناس حاجة أو ضرورة لتلك التجارة، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن أهل الذمة إذا رضوا حين صلحهم الأول بالتزام خراج في الأرضين أو بعشر، أو بتعشير من تجر منهم في مصره وفي الآفاق، أو بأن يؤخذ منهم شيء معروف زائد على الجزية محدود يحل ملكه، وكان كل ذلك زائدا على الجزية أن كل ذلك إذا رضوه أولا، لازم لهم ولأعقابهم في الأبد)(1).
والسرخسي (483 هـ) حيث يقول (اعلم أنا اتبعنا الأثر في هذا فقلنا: يأخذ العاشر من المسلم الذي مر عليه ربع العشر، ومن الذمي نصف العشر، ومن الحربي العشر، لأن عمر -رضي اللَّه تعالى عنه- هكذا أمر عاشره بأخذ العشر، وكان ذلك بمشهد من المهاجرين والأنصار، ولم ينكر عليه أحد فحل محل الإجماع)(2).
وابن قدامة المقدسي (620 هـ) حيث يقول: (ومن يجز من أهل الذمة إلى غير بلده، أخذ منه نصف العشر في السنة، اشتهر هذا عن عمر رضي الله عنه وصحت الرواية عنه به. . . وهذا كان بالعراق، واشتهرت هذه القصص ولم تنكر، فكانت إجماعًا، وعمل به الخلفاء بعده)(3). وقال أيضًا: (وإذا دخل إلينا منهم تاجر حربي بأمان أخذ منه العشر. . . وأن عمر أخذ منهم العشر، واشتهر ذلك فيما بين الصحابة، وعمل به الخلفاء الراشدون بعده والأئمة بعده في كل عصر من غير نكير، فأي إجماع يكون أقوى من هذا)(4).
والشوكاني (1255 هـ) حيث يقول -بعد أن أورد الآثار في ضرب العشور عن عمر رضي الله عنه (وَفِعْلُ عُمَرَ وَإِنْ لم يَكُنْ حُجَّةً، لَكِنَّهُ قد عَمَلَ الناس بِهِ قَاطِبَةً، فَهُوَ إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ)(5)
(1)"مراتب الإجماع"(ص 206).
(2)
"شرح كتاب السير الكبير"(5/ 2133).
(3)
"المغني"(13/ 229).
(4)
المصدر السابق (13/ 234).
(5)
"نيل الأوطار"(8/ 221).
• الموافقون للإجماع: وافق: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4)، والظاهرية (5).
• مستند الإجماع:
1 -
عن عَطَاء بن السائبِ عن حرْب بن عبيد اللَّه عن جدِّه أبي أُمِّهِ عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنما العشور على اليهود والنصارى وليس على أهل الإسلام عشور"(6).
• وجه الدلالة: أن الحديث يدل على أنه لا يؤخذ من المسلم مال سوى الزكاة، ويؤخذ من اليهود والنصارى عشر التجارات وهو حَقٌّ لِلْمسْلِمِينَ وَاجِبٌ عليهم كَالْجِزْيَةِ الْوَاجِبَةِ لهم عليهم (7).
2 -
عن أبي مجلز لاحق بن حميد قال: "قيل لعمر رضي الله عنه: كيف نأخذ من تجار الحرب إذا قدموا علينا، فقال عمر رضي الله عنه: كيف يأخذون منكم إذا أتيتم بلادهم؟ قالوا: العشر، قال: فكذلك خذوا منهم"(8).
3 -
وعن السائب بن يزيد أنه قال: "كنت غلامًا عاملًا مع عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب، فكنَّا نأخذ من النَّبط (9)
(1) انظر: "المبسوط"(2/ 199)، و"بدائع الصنائع"(2/ 891).
(2)
انظر: "المدونة"(1/ 280)، و"الكافي في فقه أهل المدينة"(1/ 218).
(3)
انظر: "الأم"(4/ 193)، و"البيان"(12/ 298).
(4)
انظر: "المقنع مع الشرح الكبير" و"الإنصاف"(10/ 484)، و"الفروع"(10/ 347).
(5)
انظر: "المحلى"(6/ 115).
(6)
أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(636)، وأحمد في "المسند"(3/ 474) وأبو داود في "السنن"، كِتَاب الْخَرَاجِ وَ"الأم" ارَةِ وَالْفَيْءِ، بَاب في تَعْشِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذا اخْتَلَفُوا بِالتِّجَارَاتِ (3/ 169، برقم 3046)، وحرب بن عبيد اللَّه هذا، قال عنه الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص 155): لين الحديث، ونقل ابن القيم عن عبد الحق الأشبيلي أنه قال: في إسناده اختلاف، ولا أعلمه من طريق يحتج به. كذا في "تهذيب السنن"(4/ 253).
(7)
"شرح معاني الآثار"(2/ 32).
(8)
أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(ص 87)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(9/ 136 برقم 18163)، وصحح إسناده الحافظ ابن كثير، انظر:"مسند الفاروق"(2/ 500).
(9)
النبط: هم قوم من العرب، دخلوا في العجم والروم، واختلطت أنسابهم، وفسدت ألسنتهم، وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم ينزلون البطائح بين العراقين، والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام، =
العُشْرَ" (1).
4 -
وعن عبد الرحمن بن معقل قال: "سألت زياد بن حدير: من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنا نعشر مسلمًا ولا معاهدًا قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار الحرب كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم"(2).
5 -
ومن المعقول: فالتاجر الذي ينتقل بتجارته من بلد إلى آخر يحتاج إلى الأمان، والحماية: من اللصوص وقطاع الطرق، والدولة الإسلامية تتكفل بتأمين ذلك عبر طرقها وممراتها التجارية، فالعشر الذي يؤخذ من التاجر هو في مقابل تلك الحماية، والانتفاع بالمرافق العامة للدولة الإسلامية (3).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على جواز أخذ العشر من تجار غير المسلمين إذا دخلوا بلاد الإسلام، لعدم وجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[151/ 22] جواز أخذ مقدار أو شيء معروف ومحدد، كالخراج، والعشور (4)، وما صولحوا عليه قدرًا زائدًا على الجزية:
• تعريف الخراج:
• الخراج لغة: يُطلق على الكراء والغلة، وعلى الإتاوة تؤخذ من الأموال (5).
• وفي الاصطلاح: هو ما يوضع على الأرض غير العشرية من حقوق تؤدى عنها إلى بيت المال (6).
ويتفق الخراج مع الجزية: في أنهما يجبان على أهل الذمة، ويصرفان في مصارف الفيء.
ومن الفروق بينهما: أن الجزية توضع على الرؤوس، أما الخراج فيوضع على
= سموا بذلك لاستنباطهم الماء واستخراجه. انظر: مقدمة "فتح الباري"(ص 187) و (4/ 431)
(1)
أخرجه مالك في "الموطأ"(ص 193).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(6/ 98)، "أحكام أهل الذمة"(1/ 335).
(3)
انظر: "بدائع الصنائع"(2/ 38).
(4)
انظر تعريف العشور فقد سبق.
(5)
انظر: "لسان العرب"(2/ 249)، مادة (خرج).
(6)
"معجم المصطلحات الاقتصادية"(ص 125).
الأرض، والجزية تسقط بالإسلام، أما الخراج فلا يسقط بالإسلام، ويبقى مع الإسلام والكفر (1).
• المراد بالمسألة: بيان أن الجزية واجبة على الذمي، وأن حكمها حكم الديون، واجب في ذمته، لأجل حقن دمه، وبدلًا عن حمايته ونصرته، ولهذا لا مانع من أن يجتمع مع الجزية خراج على أرضه التي يزرعها، أو عشر ما اتجر به في بلاد المسلمين، وكذلك ما اشتُرِط عليهم ورضوا به كضيافة من مر بهم من المسلمين، وقد نُقل الإجماع على جواز اجتماع تلك الواجبات المالية مع الجزية على الذمي.
• من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن أهل الذمة إذا رضوا حين صلحهم الأول بالتزام خراج في الأرضين أو بعشر، أو بتعشير من تجر منهم في مصره وفي الآفاق، أو بأن يؤخذ منهم شيء معروف زائد على الجزية محدود يحل ملكه، وكان كل ذلك زائدًا على الجزية أن كل ذلك إذا رضوه أولا، لازم لهم ولأعقابهم في الأبد)(2).
والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (ويجوز أن يشترط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين بلا نزاع)(3).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
• مستند الإجماع:
1 -
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "منعت العراق درهمها وقفيزها (8)، ومنعت الشام مديها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم" قالها ثلاثا، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه" (9).
(1) انظر: "أحكام الخراج في الفقه الإسلامي"(ص 11).
(2)
"مراتب الإجماع"(ص 206).
(3)
"الإنصاف"(4/ 230).
(4)
انظر: "كشف الأسرار"(4/ 202).
(5)
انظر: "المدونة"(1/ 280)، و"الكافي" لابن عبد البر (1/ 414).
(6)
انظر: "الحاوي الكبير"(14/ 269)، و"كفاية الأخيار"(ص 510).
(7)
انظر: "المغني"(13/ 214)، و"أحكام أهل الذمة"(3/ 1345).
(8)
والقَفِيز: مِكْيال يَتَواضَع الناسُ عليه، وهو عند أهل العِراق ثمانية مَكاكِيكَ. انظر:"النهاية"(4/ 138).
(9)
أخرجه مسلم في "صحيحه"، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب (8/ 175، برقم 7459).
• وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث على أن وجوب الجزية لا ينفي وجوب الخراج والعشر على أهل الذمة؛ لأنه جمع بين القفزان والنقد، والعشر يؤخذ بالقفزان، والخراج من النقد (1).
2 -
وعن الأحنف بن قيس: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يشترط على أهل الذمة ضيافة يوم وليلة، وأن يصلحوا قناطر، وإن قتل بينهم قتيل فعليهم ديته، وقال غيره عن هشام، وإن قتل رجل من المسلمين بأرضهم فعليهم ديته"(2).
• وجه الدلالة: حيث دلَّ على جواز اشتراط الضيافة على أهل الذمة، وهي قدر زائد على الجزية لا تلزمهم إلا بالشرط.
3 -
أنه لا مانع من اجتماع عدد من الواجبات المالية على أهل الذمة إضافة إلى الجزية، إذا اقتضى ذلك ما يوجب المصلحة، وكان ذلك برضاهم، ولا سيما إذا كان يُحقق لهم في مقابل ذلك منافع متنوعة، فالخراج أجرة عن أرض ذات منفعة، والجزية عوض عن حقن الدم والإقرار على الكفر والحماية: والسكنى في بلاد المسلمين، والعشر عوض عن انتفاع التاجر الذمي بمرافق الدولة كطرق المواصلات، وتوفير الحماية: له أثناء التنقل من بلد إلى بلد، مما يُهيِّئ له أسباب الربح.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على جواز أخذ مقدار أو شيء معروف ومحدد، كالخراج، والعشور، وما صولحوا زائدًا على الجزية، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
* * *
(1) انظر: "شرح السنة"(11/ 269).
(2)
أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" 9/ 196، برقم 18468).