الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجواب عن هذه الرواية التي تدل على ترك المرتدين بعد فرض الجزية عليهم:
بأنها خاصة في قوم أسلموا ثم ما لبثوا أن ارتدوا وقد جهلوا أحكام الشَّرْع، بدليل قوله:(وإن كان لم يعرفها)، ولذلك لم يطبق عليهم حكم الرِّدَّة، لفقدان شرط العلم. فهو مقصورٌ على حالة لا تتوافر فيها شروط إقامة الحد على جريمة الرِّدَّة.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على عدم الجزية من المرتد؛ لعدم وجود المخالف المعتبر.
وأما ما روي من خلاف عن عمر بن عبد العزيز، فلا حجة في الاستدلال به على خلاف الإجماع، لأنه متأول بأن المرتد إذا لم ينطبق عليه شروط الرِّدَّة، أو أركانها، كأن يكون جاهلًا أو متأوَّلًا، أو كلاهما، فإنه يمكن حينئذ تعزيره، بالجزية وتغليظها عليه واللَّه أعلم.
[137/ 8] صفة من يُكلَّف بالجزية:
• المراد بالمسألة: بيان أوصاف من تجب عليهم الجزية وهذه الأوصاف هي: الذكورة، والعقل، والبلوغ، والحرية، وقد نقل الإجماع على وجوب توفر هذه الأوصاف فيمن تجب عليهم الجزية.
• من نقل الإجماع: الإمام ابن المنذر (318 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا على ألَّا تؤخذ من صبي ولا من امرأة جزية، وأجمعوا على أن لا جزية على العبيد)(1).
وأبو العباس المنصوري (نحو 350 هـ) حيث يقول: (وأجمع المسلمون أن الجزية لا تجب على النساء، ولا على الصبيان، ولا على العبيد) نقله عنه ابن القطان (2).
وأبو بكر الجصاص (370 هـ) حيث يقول: (ولا خلاف أن المرأة لا تؤخذ منها الجزية إلا أن يقع الصلح عليه)(3). وقال: (وأيضا لو كانوا عبيدًا لم يجز أن تؤخذ الجزية من رقابهم؛ لأنه لا خلاف أن العبيد لا جزية عليهم)(4).
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على وجوب أخذ الجزية من اليهود والنصارى، ممن كان منهم من الأعاجم الذين دان أجدادهم بدين من الدينين قبل مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن معتقًا، ولا بدل ذلك الدين بغيره، ولا شيخًا كبيرًا ولا
(1)"الإجماع"(ص 71).
(2)
"الإقناع في مسائل الإجماع"(3/ 1079).
(3)
"أحكام القرآن"(4/ 291).
(4)
المصدر السابق (5/ 523).
مجنونًا ولا زمنًا ولا غير بالغ ولا امرأة ولا راهبًا ولا عربيًّا ولا ممن تجر في أول السنة وكان غنيًّا) (1).
وابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (فهذا إجماع من علماء المسلمين لا خلاف بينهم فيه أن الجزية إنما تضرب على البالغين من الرجال دون النساء والصبيان)(2).
وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أن الجزية لا تضرب على نساء أهل الكتاب ولا على صبيانهم حتى يبلغوا، ولا على عبيدهم ولا على مجنون ولا ضرير ولا شيخ فان ولا على أهل صوامع)(3). ونقله عنه الدمشقي مقرًّا له في"رحمة الأمة"(4).
وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (فإنهم اتفقوا على أنها -[الجزية]- إنما تجب بثلاثة أوصاف: الذكورية والبلوغ والحرية، وإنها لا تجب على النساء ولا على الصبيان إذا كانت إنما هي عوض من القتل، والقتل إنما هو متوجه بالأمر نحو الرجال البالغين إذ قد نهي عن قتل النساء والصبيان، وكذلك أجمعوا أنها لا تجب على العبيد)(5).
وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (قال: (ولا جزية على صبي، ولا زائل العقل، ولا امرأة، لا نعلم بين أهل العلم خلافًا في هذا)(6)، وقال:(مسألة: قال: ولا على سيد عبد عن عبده، إذا كان السيد مسلمًا لا خلاف في هذا نعلمه)(7).
والقرطبي (671 هـ): حيث يقول: (وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين، وهم الذين يقاتلون، دون النساء والذرية والعبيد والمجانين والغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني)(8).
والأمير الصنعاني (852 هـ) في "سبل السلام"(9) نقلًا عن الإمام ابن رشد.
فقد تضمَّنت هذه النصوص الإجماع على أن الجزية إنما تجب على من توفَّرت فيه الأوصاف التالية:
الذكورة، فلا تجب الجزية على النساء.
العقل والبلوغ، فلا تجب على المجنون، ولا الصبي.
(1)"مراتب الإجماع"(ص 196).
(2)
"الاستذكار"(3/ 250).
(3)
"الإفصاح"(2/ 329).
(4)
"رحمة الأمة"(ص 305).
(5)
"بداية المجتهد"(1/ 404).
(6)
"المغني"(13/ 216).
(7)
المصدر السابق (13/ 220).
(8)
"الجامع لأحكام القرآن"(8/ 112).
(9)
"سبل السلام"(4/ 67).