الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
وقوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: 83].
• وجه الدلالة: حيث نصت الآية الكريمة على منع المنافقين من الخروج مع جيش المسلمين.
3 -
أن في خروج المنافقين مع المجاهدين مفاسد ظاهرة، وأضرارًا واضحة فيلزم منعهم؛ صيانة للمسلمين من شرهم، فهم في الحقيقة مع الكفار عيون وأعوانٌ لهم، يكشفون لهم عورات المسلمين وأسرارهم، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر. وقاعدة الشرع المتينة تؤكد بأن (الضرر يزال)(1).
والجواب عما استدل به من قال بجواز الاستعانة بالمنافقين: وهو قولهم: (إن عبد اللَّه بن أبي بن سلول كان يخرج في الغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رأس المنافقين مع ظهور التخذيل وغيره منه).
فالجواب عليه من وجهين: أولًا: إذا ثبت ذلك فلأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أقوياء في الدين لا يبالون بالتخذيل ونحوه، بخلاف من جاء بعدهم.
ثانيًا: أو أنه صلى الله عليه وسلم كان يطلع بالوحي على أفعاله فلا يتضرر بكيده (2).
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق في جواز الاستعانة بالمنافقين، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[23/ 2] الإنفاق على الغزاة من الزكاة:
• المراد بالمسألة: بيان أنه يجوز للمجاهدين في سبيل اللَّه الأخذ من الزكاة المفروضة ما يكفيهم لجهادهم، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن العربي (543 هـ) حيث يقول: قوله تعالى: {وفِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، قال مالك: سبل اللَّه كثيرة، ولكني لا أعلم خلافًا في أن المراد بسيل اللَّه هاهنا الغزو من جملة سبيل اللَّه) (3).
(1) انظر: "الشرح الكبير"(10/ 119).
(2)
انظر: "مغني المحتاج"(4/ 221)، و"أسنى المطالب"(3/ 189).
(3)
"أحكام القرآن" لابن العربي (2/ 523).
ويقول ابن قدامة (620 هـ) عند (مسألة: "وسهم في سبيل اللَّه. . .): (هذا الصنف السابع من أهل الزكاة، ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنَّهم الغزاة في سبيل اللَّه)(1).
وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (فأما الجهاد فهو أعظم سبيل اللَّه بالنص والإجماع)(2).
والمرداوي (882 هـ) حيث يقول: ("قوله: السابع: في سبيل اللَّه، وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم" فلهم الأخذ منها بلا نزاع)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7)، والظاهرية (8).
• مستند الإجماع:
1 -
• وجه الدلالة: حيث حصر اللَّه سبحانه الصدقات في هذه الأصناف الثمانية ولا تجزئ في غيرها ومن هذه المصارف {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} والمراد به الغزو (9).
جاء في جامع البيان: في سبيل اللَّه يعني في النفقة في نصرة دين اللَّه بقتال أعدائه، وذلك هو غزو الكفار (10).
2 -
ولأن سبيل اللَّه إذا أطلق في عرف الشرع يراد به الغزو (11).
(1)"المغني"(9/ 326).
(2)
"التفسير الكبير" لابن تيمية (3/ 7).
(3)
"الإنصاف"(7/ 247).
(4)
انظر: "بدائع الصنائع"(2/ 154).
(5)
انظر: "الاستذكار"(3/ 213).
(6)
انظر: "الحاوي الكبير"(8/ 512).
(7)
انظر: "كشاف القناع"(2/ 107).
(8)
انظر: "المحلى"(4/ 274).
(9)
قال محمد بن الحسن من الحنفية: المراد به منقطع الحاج، وهو رواية في مذهب أحمد، وقال في "بدائع الصنائع": جميع القرب، وقال بعضهم: المراد به طلحة العلم. انظر "البحر الرائق"(2/ 422)، و"بدائع الصنائع"(2/ 154) وهذا توسع في معنى في سبيل اللَّه، والصحيح ما تقرر أن المراد عند الإطلاق الغزو والجهاد في سبيل اللَّه بالنفس؛ وإلا لم يكن للحصر فائدة. انظر:"الشرح الممتع"(6/ 248).
(10)
"جامع البيان" للطبري (6/ 402).
(11)
"بدائع الصنائع"(2/ 154)، و"الحاوي الكبير"(8/ 512)، و"الشرح الكبير"(7/ 247).
قال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)} [التوبة: 41].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)} [الصف: 4].
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فَمنْ في سبيل اللَّه؟ قال:"من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا فهو في سبيل اللَّه"(1).
• وجه الدلالة: فهذه النصوص الشرعية تدل بوضوح على أن (سبيل اللَّه) في آية الصدقات هو محاربة أعداء اللَّه، ونصرة دينه بالجهاد في سبيله.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق، لعدم وجود المخالف، واللَّه تعالى أعلم.
[24/ 3] الغزاة الذين لهم راتب من ديوان الجند (2) لا يعطون من الزكاة:
• المراد بالمسألة: قسَّم العلماء المجاهدين إلى نوعين: مرتزقة، ومتطوعة. فأما المرتزقة فهم الذين فرغوا أنفسهم للجهاد فلم يتشاغلوا إلا به، وثبتوا في الديوان فصاروا جيشًا للمسلمين ومقاتلة للمشركين فهؤلاء لا حق لهم في الزكاة. وأما المتطوعة فهم أرباب المعائش والصنائع والأعراب الذين يتطوعون بالجهاد إن شاءوا ويقعدون عنه إن أحبوا، ولم يثبتوا في الديوان، ولا جعل لهم رزق فهؤلاء هم الذين يعطون من الزكاة من سهم (سبيل اللَّه)(3)، وقد نقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: النووي (676 هـ) حيث يقول: (قال المصنف والأصحاب رحمهم اللَّه تعالى: وأما الغزاة المرتبون في ديوان السلطان ولهم فيه حق فلا يعطون من الزكاة بسبب الغزو بلا خلاف)(4).
(1) أخرجه البخاري في كتاب "الجهاد"، باب من قاتل لتكون كلمة اللَّه هي العليا (3/ 1034، برقم 2655).
(2)
الديوان: يجمع على دواوين، والديوان فارسي معرب وهو: الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء، وأول من دوَّن الديوان عمر رضي الله عنه-يعني في الإسلام. قال الماوردي: والديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال، وأول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر:"لسان العرب"(13/ 166)، مادة (دون)، و"الأحكام السلطانية" للماوردي (ص 337).
(3)
انظر: "الحاوي الكبير"(8/ 443).
(4)
"المجموع"(6/ 200).
• الموافقون للإجماع: وافق: الشافعية (1) والحنابلة (2) على اشتراط أن يكون المجاهدون الذين يأخذون الزكاة من المتطوعين غير المرتبين في الديوان، أما المرتزقة فلا حظ لهم فيها.
• مستند الإجماع: قالوا: لأن المجاهدين الذين لهم ديوان (المرتزقة) يعطون من مال المسلمين رزق راتب على جهادهم، فلا حاجة أن نعطيهم من الزكاة؛ لأنهم مستغنون بما يعطون من بيت المال عن الزكاة (3).
• الخلاف في المسألة: خالف في ذلك الحنفية والمالكية فلم يشترطوا أن يكون المجاهدون الذين يأخذون الزكاة من المتطوعين غير المرتبين في الديوان.
فمذهب الحنفية (4) أنه لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرًا منقطعًا به، ولم يشترطوا كونه من المتطوعة.
• وحجتهم: أن الأصناف الثمانية كلهم إنما يعطون من الزكاة بشرط الفقر فيما عدا العامل عليها (5)؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: "فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن اللَّه قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"(6).
وظاهر كلام المالكية (7) عدم اشتراط التطوع لأخذ المجاهد من الزكاة، بل متى تلبس بالجهاد بالشروع فيه أو السفر له فإنه يدفع له من الزكاة قدر كفايته، وإن كان غنيًّا. سواء كان له راتب من الديوان أو متطوع.
• وحجتهم: عموم قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} فيعطى هؤلاء الغزاة ما يعينهم على الغزو ولو كانوا أغنياء، ولو كانوا من أهل الديوان؛ لأنهم ينطبق عليهم وصف (في
(1) انظر: "الوسيط"(4/ 563)، و"مغني المحتاج"(4/ 181).
(2)
انظر: "كشاف القناع"(2/ 107)، و"المبدع"(2/ 424).
(3)
انظر: "الفروع"(2/ 470).
(4)
انظر: "البناية"(3/ 534).
(5)
انظر: "الاختيار لتعليل المختار"(1/ 119)، و"البحر الرائق"(2/ 260).
(6)
أخرجه البخاري، كتاب "الزكاة"، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا (2/ 544، برقم 1425).
(7)
انظر: "كفاية الطالب الرباني"(2/ 408).