الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليلة إلى ثلاثين ليلة" (1).
• وجه الدلالة: حيث دلَّت السنة الفعلية لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على مشروعية الحصار كأسلوب من أساليب القتال بالضغط على الأعداء.
5 -
و"قطع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الماء عن أهل حصن من حصون النطاة (2) بخيبر حين أخبر أن لهم ذيولًا (3) تحت الأرض يشربون منها عادية فقطعها عنهم حتى عطشوا فخرجوا"(4).
• وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث على جواز منع الطعام والشراب عن الأعداء في الحروب، مما يُعجِّل بهزيمتهم واستسلامهم.
6 -
ولأن الحصار نوع من أنواع الخطط الحربية الناجحة قديمًا وحديثًا لدفع العدو على الخضوع والاستسلام بخاصة إذا لم يكن لدى العدو ما يكفيهم من مؤن لمدة طويلة.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على جواز حصار الكفار المحاربين في بلادهم وحصونهم، وقطع الغذاء عنهم، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[33/ 12] جواز دك حصون العدو، وإتلاف أموالهم المستخدمة حال القتال:
• المراد بالمسألة: حينما لا يُتَوصَّلُ إلى العدو إلا بإتلاف ما يحتمون به من الأبنية، والحصون، والمزارع، أو ما يباشرون عليه القتال فعلًا من الأسلحة، أو الأدوات التي يحاربون عليها في العادة مما يُعد مصدر قوة لهم، كالمنجنيق، والخيل، والأفيال سابقًا، أو المدافع والطائرات والآليات المستخدمة حديثًا في القتال، فإنه يجوز إتلافه، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن رشد (595) حيث يقول: (واتفق عوام الفقهاء على جواز
(1) أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(ص 216). وابن زنجويه في "الأموال"(1/ 410).
(2)
النَّطاةِ هي عَلم لِخَيْبَرَ أَو حِصْنٌ بها. انظر: "لسان العرب" مادة (نطا)(15/ 332).
(3)
انظر: "المغازي" للواقدي (2/ 666)، و (ذيولًا) بالذال والياء، وفي البداية والنهاية لابن كثير (4/ 198)(دبولًا) بالدال والباء، وهي جمع دَبْل، وهي الجدول من الماء. انظر:"لسان العرب"(11/ 234)، مادة (دبل).
(4)
انظر: "المغازي" للواقدي (2/ 666)، و"زاد المعاد"(3/ 324).
رمي الحصون بالمجانيق (1) سواء كان فيها نساء وذرية أو لم يكن) (2).
ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (ما تدعو الحاجة إلى إتلافه كالذي يقرب من حصونهم، ويمنع من قتالهم، أو يسترون به من المسلمين، أو يحتاج إلى قطعه لتوسعة طريق، أو تمكن من قتال، أو سد بثق (3)، أو إصلاح طريق، أو ستارة منجنيق، أو غيره، أو يكونون يفعلون ذلك بنا، فيفعل بهم ذلك، لينتهوا، فهذا يجوز، بغير خلاف نعلمه) (4).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (5)، والمالكية (6)، والشافعية (7)، والحنابلة (8)، والظاهرية (9).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120].
• وجه الدلالة: حيث إن في دك حصون الكفار وأبنيتهم، وإتلاف أسلحتهم، وما يحتمون به إغاظة لهم، ونحن مأمورون بفعل كل ما من شأنه إيغال قلوبهم، وكسر شوكتهم.
2 -
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ
(1) المجانيق: جمع واحده المنجنيق، وهي آلة حرب تقذف الحجارة على الحصون فتهدمها، والنبي صلى الله عليه وسلم أول من رمى به في الإسلام. انظر:"لسان العرب"(10/ 338) مادة (منجق)، و"توضيح الأحكام"(5/ 399).
جاء في "الشرح الممتع"(8/ 27): (المنجنيق بمنزلة المدفع، ففي الوقت الحاضر لا يوجد منجنيق لكن يوجد ما يقوم مقامه من الطائرات، والمدافع والصواريخ وغيرها).
(2)
"بداية المجتهد"(1/ 385).
(3)
بثَق شِقَّ النهر يَبْثُقه بَثْقًا: كسَره ليَنبَعِث ماؤُه. وبثق الماء موضع كذا أي: خرته وشقّه. انظر: "لسان العرب"(10/ 12) مادة (بثق)، و"طلبة الطلبة"(ص 42).
(4)
"المغني"(13/ 146).
(5)
انظر: "شرح السير الكبير"(4/ 1467)، و"حاشية ابن عابدين"(3/ 223).
(6)
انظر: "المدونة"(2/ 25)، و"الكافي" لابن عبد البر (1/ 647).
(7)
انظر: "الأم"(4/ 287).
(8)
"المبدع"(3/ 321)، و"كشاف القناع"(3/ 49).
(9)
انظر: "المحلى"(7/ 294).
فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2].
• وجه الدلالة: أن بني النضير لما غزاهم الرسول لنقضهم العهد حينما أرادوا قتله أخذوا يخربون بيوتهم بهدمها، وكذلك فعل المؤمنون، فدلَّ على جواز هدم بيوت وحصون العدو التي يحتمون بها للظفر بهم (1).
3 -
وعن مكحول الدمشقي رحمه الله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف)(2).
• وجه الدلالة: حيث دلَّ الحديث على جواز نصب المنجنيق على الأعداء حال القتال، وهو من أمضى أسلحة الإتلاف للحصون وما يحتمي به الأعداء من الأسلحة، وما يُعد قوة لهم.
5 -
وعن جرير: قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم "أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ" وكان بيتًا في خثعم يسمى كعبة اليمانية. قال: فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس، وكانوا أصحاب خيل، قال: وكنت لا أثبت على الخيل، فضرب في صدري حتى رأيت أثر أصابعه في صدري، وقال:"اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا". فانطلق إليها فكسرها وحرقها، ثم بعث إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يخبره، فقال رسول جرير: والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها كأنها جمل أجوف أو أجرب. قال: فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات" (3).
• وجه الدلالة: أن في تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم لتكسير وهدم ذي الخَلَصَة دليلًا على مشروعية هدم وإتلاف حصون وأموال الكفرة.
5 -
أن دكَّ حصونِ الأعداء وإتلافَ أموالِهم التي يستخدمونها حالَ القتالِ فيه إغاظةٌ وكبتٌ لهم، وكسرٌ لشوكتهم، وتفريقٌ لجمعهم، ورعبٌ لهم، فيكون مشروعًا، حيث لا يوجد ما ينهى عن ذلك شرعًا.
(1) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 155).
(2)
أخرجه أبو داود في "مراسيله"، كتاب "الجهاد"، باب: فضل الجهاد ح رقم (31)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 84)، وقال ابن حجر في "بلوغ المرام": أخرجه أبو داود في "المراسيل"، ورجاله ثقات، ووصله العقيلي بإسناد ضعيف عن علي رضي الله عنه انظر:"بلوغ المرام من أدلة الأحكام"، كتاب "الجهاد" (ص 425 رقم: 1307)، و"الضعفاء" للعقيلي (2/ 244).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب "الجهاد"، باب حرق الدور والنخيل (3/ 1100، برقم 2857).