الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خالد بن الوليد رضي الله عنه وفيه: فلم يزل المددي يحتال لذلك الرومي حتى مر به فاستقفاه فضرب عرقوب (1) فرسه بالسيف، ثم وقع فأتْبَعَهُ ضربًا بالسيف حتى قتله (2).
2 -
ما روي أن حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه: "عقر فرس أبي سفيان يوم أحد فرمت به فخلصه ابن شعوب ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم فعل حنظلة"(3).
ووجه دلالتهما: أنهما قتلا دواب العدو في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر. فدلَّ على جواز فعل ذلك.
3 -
لأن قتل بهائمهم يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم، والوسائل لها أحكام الغايات (4).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على جواز إتلاف حيوان العدو الذي يتقوون به في قتال المسلمين حال الحرب، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[36/ 15] حكم تحريق العدو إذا قدر عليه:
• المراد بالمسألة: إذا قاتل المسلمون الكفار فقدروا عليهم إما أسرًا أو غلبة، بحيث ظهر أن الأعداء مغلوبون وأن الفتح بادٍ أو قريب، أو قدروا عليهم بغير ذلك من الأسلحة، فلا يجوز لهم حينئِذٍ تحريق أعيان الكفار بالنار، إذا لم يفعلوا هم ذلك بالمسلمين، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
أما إذا لم يقدروا عليهم إلا بالنار فيجوز في قول أكثر أهل العلم (5).
• من نقل الإجماع: ابن قدامة رحمه الله (620 هـ) حيث يقول: (أما العدو إذا قدر عليه، فلا يجوز تحريقه بالنار، بغير خلاف نعلمه، وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأمر
(1) العرقوب: الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم من ذوات الأربع وهو من الإنسان فويق العقب. انظر: "النهاية"(3/ 221).
(2)
أخرجه مسلم، كتاب "الجهاد" والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل (5/ 149، برقم 4669)
(3)
أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى"(9/ 88) وهو: لا يصح، قال الحافظ ابن حجر: رواه البيهقي من طريق الشافعي بغير إسناده "التلخيص الحبير"(4/ 259).
(4)
انظر: "تكملة المجموع"(21/ 160).
(5)
دليله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم: نصب المنجنيق على أهل الطائف، أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" (9/ 84)، وانظر: "بداية المجتهد" (1/ 477)، و"شرح منتهى الإرادات" (2/ 96).
بتحريق أهل الردة بالنار، وفعل ذلك خالد بن الوليد رضي الله عنه بأمره. فأما اليوم فلا أعلم فيه بين الناس مخالفًا) (1).
وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (فأما المقدور عليه منهم فلا أعلم في ذلك خلافًا، وأنه لا يجوز تحريق أعيان العدو إذا أمكن قتلهم بغير ذلك، ولم يكونوا هم حرقوا أحدًا من المسلمين)(2).
وأبو الفرج ابن قدامة (682 هـ) حيث يقول: (ومتى قدر على العدو لم يجز تحريقه بالنار بغير خلاف نعلمه وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأمر بتحريق أهل الردة بالنار وفعله خالد بن الوليد رضي الله عنه بأمره. فأما اليوم فلا نعلم فيه خلافًا بين الناس)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على النهي عن تحريق الأعداء المقدور عليهم الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
• مستند الإجماع:
1 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانًا فاحرقوهما بالنار" ثم قال حين أردنا الخروج: "إني أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإن النار لا يعذب بها إلا اللَّه، فإن وجدتموهما فاقتلوهما"(8) وجاء في حديث حمزة الأسلمي رضي الله عنه نحوه وفيه: "إن أخذتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا ربها"(9).
ووجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالإحراق ثم نهاه عنه معلِّلًا ذلك بالتأدب مع اللَّه رب النار وخالقها، وكان نهيه في حالة وجدوه وقدروا عليه.
2 -
وعن شداد بن أوسٍ قال: ثنتان حفظتهما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: "إن اللَّه
(1)"المغني"(13/ 138).
(2)
"الإنجاد في أبواب الجهاد"(ص 238).
(3)
"الشرح الكبير"(10/ 65).
(4)
انظر: "شرح السير الكبير"(4/ 1554)، و"المبسوط"(10/ 31)، و"بدائع الصنائع"(6/ 62).
(5)
انظر: "المدونة"(2/ 25)، و"الذخيرة"(3/ 408)، و"مواهب الجليل"(4/ 548).
(6)
انظر: "الأم"(4/ 243)، و"روضة الطالبين"(10/ 244).
(7)
انظر: "كشاف القناع"(3/ 377)، و"المبدع"(3/ 321).
(8)
أخرجه البخاري، كتاب "الجهاد"، باب لا يعذب بعذاب اللَّه (3/ 1098، برقم 2853).
(9)
أخرجه أحمد في "المسند"(3/ 494)، وأبو داود في سننه، باب في كراهية حرق العدو بالنار، (3/ 55، برقم 2674)، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة"(4/ 90).
كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته" (1).
3 -
وعن عبد اللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أَعَفُّ الناسِ قِتلةً: أهلُ الإيمان"(2).
• وجه الدلالة: أن من الإحسان والعفة في القتل ترك تحريق العدو بالنار إن أمكن القدرة عليهم، والظفر بهم بغيرها من الأسلحة.
وقالوا: وأما ما كان في شأن العُرَنيين، فقصاص أو منسوخ، على خلافٍ في ذلك.
قال البخاري -بعد ذكر قصتهم-: قال أبو قلابة: قتلوا، وسرقوا، وحاربوا اللَّه ورسوله، وسعوا في الأرض فسادًا (3). وعن أنس قال: إنما سَمَلَ النبي صلى الله عليه وسلم أعينَ أولئك؛ لأنهم سملوا أعين الرِّعاءِ (4).
• الخلاف في المسألة: ألمح ابن قدامة وأبو الفرج في كلامهم السابق إلى الخلاف حين ذكرا فعل أبي بكر وخالد رضي الله عنهما.
وأشار ابن رشد إلى الخلاف في المسألة وسببه حين قال: (واختلفوا في تحريقهم بالنار، فكره قوم تحريقهم بالنار ورميهم بها وهو قول عمر. ويروى عن مالك، وأجاز ذلك سفيان الثوري، وقال بعضهم: إن ابتدأ العدو بذلك جاز وإلا فلا. والسبب في اختلافهم معارضة العموم للخصوص. أما العموم فقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
(1) أخرجه مسلم، كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، وتحديد الشفرة (6/ 72، برقم 5167).
(2)
أخرجه أبو داود في "سننه"(3/ 53 برقم 2666)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(3/ 183)، وقوله:"أعفُّ الناس قِتلة أهل الإيمان": قال المناوي في "فيض القدير"(2/ 10): أي: هم أرحم الناس بخلق اللَّه، وأشدهم تحريًا عن التمثيل والتشويه بالمقتول، وإطالة تعذيبه؛ إجلالا لخالقهم، وامتثالًا لما صدر عن صدر النبوة من قوله:"إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة"، بخلاف أهل الكفر وبعض أهل الفسوق ممن لم تذق قلوبهم حلاوة الإيمان، واكتفوا من مُسَمَّاه بلقلقة اللسان، وأُشْربوا القسوة، حتى أبعدوا عن الرحمن، وأبعد القلوب من اللَّه القلب القاسي، و"من لا يرحم لا يُرحم".
(3)
أخرجه البخاري، كتاب "الجهاد" والسير، باب إذا حرَّق المشركُ المسلمَ هل يُحرَّق؟ (3/ 1099، رقم 2855).
(4)
أخرجه مسلم، كتاب "القسامة والمحاربين والقصاص والديات"، باب: حكم المحاربين والمرتدين، (5/ 101 برقم 4445).