الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد دلّت هاتان الآيتان على أن قتال من قاتل المسلمين، وحماية المستضعفين، ونصرة المظلومين واجبٌ شرعي حتى ينكفئ المعتدون ويُنْتَصَرَ للمظلومين.
3 -
وقوله عز وجل: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41].
4 -
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم"(1).
فهذه النصوص ظاهرة الدلالة في الأمر بالجهاد، ولا شك أن الأمر بالجهاد في حالة هجوم الأعداء على بلاد المسلمين يدخل دخولًا أوليًا في مدلولها.
النتيجة:
الإجماع متحقق حيث لم أجد من خالف في ذلك من أهل العلم، واللَّه تعالى أعلم.
[4/ 4] تعيُّن الجهاد عند التقاء الصفوف:
• المراد بالمسألة: أن من الحالات التي يتعيّن فيها الجهاد: إذا تقابل الصفّان، والتقى الزحفان ولم يزد عدد الكفار على مثلي عدد المسلمين، ولم يخافوا الهلاك تعين عليهم فرض الجهاد (2).
فيحرم في حق من شهده الانصراف، ويصبح الجهاد متعينًا عليه. وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: الوزير ابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أنه إذا التقى الزحفان وجب على المسلمين الحاضرين الثبات وحرم عليهم الانصراف والفرار (3) إذ قد تعين عليهم، إلا أن يكون متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة أو يكون الواحد مع ثلاثة أو المائة مع ثلثمائة فإنه أبيح لهم الفرار، ولهم الثبات لا سيما مع غلبة ظنهم بالظهور) (4).
المرداوي (885 هـ) حيث يقول: (ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد، أو
(1) سبق تخريجه.
(2)
"المهذب"(2/ 232).
(3)
سيأتي الحديث عن تحريم الفرار في الفصل الثاني من الباب الأول بمشيئة اللَّه.
(4)
"الإفصاح"(2/ 273).
حضر العدو بلده تعيَّن عليه بلا نزاع) (1).
• الموافقون للإجماع: وافق على تعيُّن الجهاد على من حضر الصف المذاهب الفقهية ومنها مذهب الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5) ووافق على ذلك الظاهرية (6).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)} [الأنفال: 15]، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45].
• وجه الدلالة من الآيتين الكريمتين: حيث أمر تعالى عباده المؤمنين بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على جلادهم إذا التحم الجيشان، ونهى عن الانصراف والفرار، فهذا نص في وجوب الجهاد ووجوب القتال على من قابل العدو ولقيه وصار فرض عين عليه (7).
2 -
وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه انتظر في بعض أيامه التي لقي فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال:"يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا اللَّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "اللهم، مُنزل الكتاب، ومُجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم"(8).
• وجه الدلالة: حيث دلَّ الأمر الصريح بالصبر عند لقاء العدو على وجوب الجهاد عند التقاء الصفوف والنهي عن الانصراف من القتال حينئِذٍ.
3 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول اللَّه وما هن؟ قال: "الشرك باللَّه، والسحر، وقتل النفس التي حرم اللَّه إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات
(1)"الإنصاف"(10/ 14).
(2)
"تحفة الفقهاء"(3/ 296)، و"شرح السير الكبير"(1/ 124)،
(3)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (2/ 843).
(4)
انظر: "روضة الطالبين"(10/ 247)، و"مغني المحتاج"(4/ 218).
(5)
انظر: "المغني"(13/ 8).
(6)
انظر: "المحلى بالآثار"(7/ 291).
(7)
انظر: "تفسير القرآن العظيم"(4/ 72)، و"أضواء البيان"(9/ 94).
(8)
أخرجه البخاري، كتاب "الجهاد"، باب لا تتمنوا لقاء العدو (3/ 1042، برقم 2861).