الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[221/ 3] مضمون عقد الذمة:
• المراد بالمسألة: أن عقد الذمة يتضمن أن يُعطى أهل الذمة الأمان المؤبد على أن يلتزموا بدفع الجزية، وجريان أحكام الشريعة عليهم، وإلزامهم بالشروط العمرية، وذلك مقابل إقامتهم في دار الإسلام مع أمنهم على أنفسهم وأموالهم:
فالمراد: أن عقد الذمة تتعلَّق به التزامات مالية، والتزامات غير مالية.
فالالتزامات المالية: تشمل: الجزية، والخراج، والعشور.
والالتزامات غير المالية: تشمل جريان أحكام الشريعة عليهم وخضوعهم لها، وإلزامهم بما ورد في الشروط العمرية. قد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أنه إن أعطى كل من ذكرنا عن نفسه وحدها، فقيرًا كان أو غنيًا، أو معتقًا أو حرًّا، أربعة مثاقيل ذهبًا، في انقضاء كل عام قمري، بعد أن يكون صرف كل دينار اثني عشر درهمًا كيلًا فصاعدًا، (1) على أن يلتزموا على أنفسهم أن لا يحدثوا شيئًا في مواضع كنائسهم، وسكناهم ولا غيرها، ولا بيعة، ولاديرًا، ولا قلاية (2)، ولا صومعة، ولا يجددوا ما خرب منها، ولا يحيوا ما دثر، وأن لا يمنعوا من مر بهم من المسلمين النزول في كنائسهم من ليل أو نهار، وأن يوسعوا أبوابها للمارة، وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين للثالث، وأن لا يؤووا جاسوسًا، ولا يكتموا غشًّا للمسلمين، ولا يعلموا أولادهم القرآن، ولا يمنعوا من أراد الدخول في الإسلام من أهلهم، وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم في المجالس، وأن لا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم، لا قلنسوة، ولا عمامة، ولا نعلين، ولا فرق شعر، ولا يتكلموا بكلامهم، ولا يكتبوا بكتابهم، ولا يركبوا على السروج، ولا يتقلدوا شيئًا من السلاح، ولا يحملوه مع أنفسهم، ولا يتخذوه، ولا ينقشوا في حوانيتهم بالعربية، ولا يبيعوا الخمور، وأن يجزوا مقادم رؤوسهم، وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم، وأن لا يظهروا الصليب على كنائسهم، ولا في شيء من طرق المسلمين، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم، ولا يظهروا في طريق المسلمين نجاسة، ولا يضربوا النواقيس إلا ضربًا خفيفًا، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءات لشيء
(1) من هنا يبدأ ابن حزم بإيراد الشروط العمرية، وقد أخرجها بسنده في "المحلى"(7/ 346).
(2)
القلاية: من بيوت العبادة عند النصارى كالصومعة. انظر: "لسان العرب"(15/ 198)، مادة (قلا).
من كتبهم بحضرة المسلمين، ولا مع موتاهم ولا يخرجوا شعانين، ولا صليبًا ظاهرًا، ولا يظهروا النيران في شيء من طرق المسلمين، ولا يتخذوا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين، وأن يرشدوا المسلمين، ولا يطلقوا عدوهم عليهم، ولا يضربوا مسلمًا، ولا يسبوه، ولا يستخدموا به، ولا يهينوه، ولا يسمعوا المسلمين شيئًا من شركهم، ولا من سب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا غيره من الأنبياء عليهم السلام، ولا يظهروا خمرًا، ولا شربها، ولا نكاح ذات محرم، فإن سكن مسلمون بينهم، هدموا كنائسهم وبيعهم، فإذا فعلوا كل ما ذكرنا، ولم يبدلوا ذلك الدين الذي صولحوا عليه بين الإسلام، فقد حرمت دماء كل من وفى بذلك، وماله، وأهله، وظلمه) (1).
وابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (وهذه الشروط (يعني الشروط العمرية) أشهر شيء في كتب العلم والفقه، وهى مجمع عليها في الجملة بين العلماء من الأئمة المتبوعين وأصحابهم وسائر الأئمة) (2).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
• مستند الإجماع:
1 -
قول اللَّه تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].
وقال الشافعي رحمه الله: "الصغار هو: جريان أحكام الإسلام عليهم"(7).
2 -
أما ما ورد من الشروط العمرية التي نقلها ابن حزم في حكايته للإجماع، فقد تلقاها العلماء بالقبول، قال ابن القيم:"وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها، فإن الأئمة تلقوها بالقبول وذكروها في كتبهم واحتجوا بها، ولم يزل ذكر الشروط العمرية على ألسنتهم وفي كتبهم، وقد أنفذها بعده الخلفاء وعملوا بموجبها"(8).
(1)"مراتب الإجماع"(ص 196).
(2)
"اقتضاء الصراط المستقيم"(ص 122).
(3)
انظر: "بدائع الصنائع"(7/ 111).
(4)
انظر: "مواهب الجليل"(3/ 380).
(5)
انظر: "الأحكام السلطانية" للماوردي (ص 145)، و"مغني المحتاج"(4/ 243).
(6)
انظر: "الكافي" لابن قدامة (4/ 176)، و"حاشية الروض المربع"(4/ 309).
(7)
"الأم"(4/ 210).
(8)
"أحكام أهل الذمة"(3/ 189).