الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• الخلاف في المسألة: يرى الظاهرية أن الأسر لا يجري إلا على كفار أهل الكتاب خاصة، أما غيرهم فحكمهم الإسلام أو السيف (1).
واحتجوا بعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، ولم يخص اللَّه من ذلك أحدًا إلَّا أهل الكتاب بشرط إعطاء الجزية بقوله سبحانه:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29].
النتيجة:
1 - أن الإجماع منعقد على مشروعية وجواز الأسر لأهل الكتاب من أهل الحرب، لعدم المخالف المعتبر.
2 -
أن الإجماع غير متحقق على مشروعية الأسر للكفار سوى أهل الكتاب لخلاف الظاهرية في ذلك، واللَّه تعالى أعلم.
[113/ 2] جواز قتل الأسرى من الرجال:
• المراد بالمسألة: أن لإمام المسلمين الحق في قتل الأسرى من الكفار، إذا رأى في ذلك مصلحة، كأن يعلم أن في قتله وهنًا لقومه وتحطيمًا لمعنوياتهم، أو لشدة خطورته. وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: القاضي عبد الوهاب (422 هـ) حيث يقول: (لا خلاف في جواز قتل أسرى العدو)(2).
والجصاص (370 هـ) حيث يقول: (اتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير، لا نعلم بينهم خلافًا فيه، وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله الأسير)(3).
والقرطبي (671 هـ) حيث يقول: (وكذلك الرقاب -أعنى الأسارى- الخيرة فيها إلى الإمام بلا خلاف)(4).
والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (اتفقوا على أن الإمام غير في الأسرى بين القتل
(1) انظر: "المحلى"(7/ 345).
(2)
"المعونة": (1/ 620).
(3)
"أحكام القرآن" للجصاص (5/ 269).
(4)
"الجامع لأحكام القرآن"(8/ 4).
والاسترقاق) (1).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5)، والظاهرية (6).
• مستند الإجماع:
1 -
لعموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5]. وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} الآية [البقرة: 194]. فعموم هذه الآيات وأشباهها يقتضي القتل في كل مشرك سواء قبل الإسار وبعده.
2 -
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل جماعة من الأسرى يوم بدر منهم عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث وغيرهما (7).
• الخلاف في المسألة: يرى الضَّحَّاك وجوب استحياء الأسرى، والمَنْعَ من قتلهم (8)، وروي عن ابن عمر وعطاء، والحسن كراهة قتلهم (9).
ودليلهم قوله -تعالى-: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4].
• وجه الدلالة: حيث أمرنا بالقتال إلى غاية الأسر ثُم جعل الحكم بعد ذلك المن أو الفداء، ورأوا أن هذه الآية ناسخةً لعموم قوله -تعالى-:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5](10).
ومن العجب أن الحسن بن محمد التيمي حكى إجماع الصحابة أن الإمام إذا ظفر
(1)"رحمة الأمة في اختلاف الأئمة"(ص 536).
(2)
انظر: "بدائع الصنائع"(7/ 119)، و"تبيين الحقائق"(3/ 249).
(3)
انظر: "بداية المجتهد"(1/ 382)، و"جواهر الإكليل"(1/ 257).
(4)
انظر: "المهذب"(2/ 239)، و"مغني المحتاج"(4/ 228).
(5)
انظر: "المغني"(13/ 44).
(6)
انظر: "المحلى"(7/ 345).
(7)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 323، رقم 12634). انظر: "التلخيص الحبير"(4/ 108).
(8)
انظر: "مصنف عبد الرزاق"(5/ 211)، وابن جرير في "التفسير"(26/ 41).
(9)
أخرجه ابن جرير في "التفسير"(26/ 41) من طريق الحسن البصري، قال: أُتي الحجاج بأسارى، فدفع إلى ابن عمر رجلًا يقتله، فقال ابن عمر: ليس بهذا أُمِرْنا، قال اللَّه عز وجل:{حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4].
(10)
انظر: "شرح السير الكبير"(3/ 1024).
بالحربيين استرقوا ولم يقتلوا، وأن الخلاف إنما جاء بعدهم (1).
وعامة أهل العلم على جواز قتل الأسرى إن رأى الإمام مصلحة في ذلك.
يقول الإمام الترمذي (279 هـ): (وَالْعَمَلُ على هذا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَ لِلإمَامِ أَنْ يَمُنَ على من شَاءَ من الْأُسَارَى وَيَقْتُلَ من شَاءَ منهم وَيَفْدِي من شَاءَ، وَاخْتَارَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْقَتْلَ على الْفِدَاءِ، وقال الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنِي أَنَّ هذه الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} نَسَخَتْهَا {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ})(2).
ومما يجدر التنبيه له في هذا المقام أن السلف قد يطلقون على تقييد المطلق، وتخصيص العام (نسخًا)، فإن سورة التوبة من آخر ما أُنزل، فكيف نَسَخَهُ ما نزل قبله، والمُخَصَّص قد يتقدم، وقد يتأخَّر، بخلاف النسخ؛ لا يصحّ تقدم الناسخ بحال، فتُحملُ الآية عندهم على قتل غير الأسرى (3).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على أن لإمام المسلمين قتل أسرى الكفار إن رأى مصلحة في ذلك، لعدم المخالف المعتبر، وأما خلاف من خالف فيمكن أن نجيب عنه بما يأتي:
أن خلاف الضحاك في أن آية الفداء هي الناسخة، هو قول شاذ (4). كما اضطرب النقل عن الضحاك، فقد نُقل عنه أَيضًا أن آية التوبة هي الناسخة (5).
وأما خلاف ابن عمرو الحسن وعطاء فإنهم كرهوا القتل ولم يمنعوا منه، والكراهة لا تنافي الجواز والمشروعية. كما قيل أن ابن عمر إنما كره قتل الرجل لأنه كان مشدود اليدين، لا لأنه تحرَّز عن قتله بعدما أُسر (6).
(1) انظر: "نوادر الفقهاء"(ص 170)، ويمكن حمل لفظ (الحربيين) على غير المقاتلة من النساء والذرية والرهبان ونحوهم، ما لم يشتركوا في القتال أو يكون لهم رأي فإنهم يقتلون. وبهذا يستقيم كلام التيمي.
(2)
"سنن الترمذي"(4/ 118).
(3)
انظر تقرير ذلك في: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(13/ 29 - 30، 272 - 273)، و"الأحكام" لابن حزم (4/ 67).
(4)
كما وصفه بذلك مكي بن أبي طالب في "الإيضاح"(ص 414).
(5)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (4/ 3).
(6)
انظر: "شرح السير الكبير"(3/ 1027).