الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[166/ 10] أثر الأمان بالنسبة للمسلمين:
• المراد بالمسألة: بيان أن الأمان إذا وقع للحربيين من الإمام، أو من غيره بشروطه وجب على المسلمين جميعًا الوفاء به، فيحرم قتل المستأمن أو أسره أو استرقاقه، وكذا الالتزام بسائر الأمور المتفق عليها في عقد الأمان ويحرم عليهم نقضه، قبل انتهاء مدته. وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأجمع أهل العلم على أن الذمي -إذا أقام على ما عوهد عليه-، والمستأمن لا يجوز نقض عهده، ولا إكراهه على ما لم يلتزمه)(1).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (2)، والمالكية (3)، والشافعية (4)، والحنابلة (5).
• مستند الإجماع:
1 -
قول اللَّه تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، وقال -تعالى-:{لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].
2 -
عن عليٍّ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذمَّة المسلمين واحدة؛ يسعى بها أدناهم، فمن أخْفرَ مُسلمًا، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين، ولا يُقبل منه صرفٌ ولا عدل"(6).
• ووجه الدلالة من النصوص السابقة واضح في وجوب الوفاء بعقد الأمان، وتحريم نقضه قبل انتهاء مدته.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على وجوب الوفاء بعقد الأمان والتزام ما تضمَّن من شروط، وتحريم نقضه، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[167/ 11] عصمة دم المستأمن وماله:
• المراد بالمسألة: بيان أن المستأمنين بعقد الأمان يثبت لهم حق العصمة على
(1)"المغني"(12/ 292).
(2)
انظر: "حاشية ابن عابدين"(4/ 134).
(3)
انظر: "الشرح الصغير بحاشية الصاوي"(3/ 27).
(4)
انظر: "المهذب"(2/ 258).
(5)
انظر: "المغني"(13/ 75).
(6)
سبق تخريجه.
نفوسهم، وأموالهم، فيحرم الاعتداء عليهم، ويجب حمايتهم والدفاع عنهم، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن عبد البر (463 هـ) حيث يقول: (والغدر أن يؤمن ثم يقتل، وهذا حرام بإجماع، والغدر والقتل سواء قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن"، وقال عليه الصلاة والسلام: "يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه هذه غدرة فلان" (1)
وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (والقتل إنما يجوز إذا لم يكن يوجد بعد تأمين، وهذا ما لا خلاف فيه بين المسلمين)(2).
والزركشي (772 هـ) حيث يقول: (يصح إعطاء الأمان للكفار في الجملة بالإجماع، فيحرم قتلهم ومالهم)(3).
وابن رجب (795 هـ) حيث يقول: (ومنها لو أعطينا الأمان لواحد من أهل حصن أو أسلم واحد منهم ثم تداعوه حرم قتلهم بلا خلاف)(4).
والحطاب (954 هـ) حيث يقول: (بل لا يجوز لمن أمنه قتله اتفاقًا)(5).
والشوكاني (1255 هـ) حيث يقول: (المعاهد هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان، فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه)(6).
• الموافقون على الإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (7)، والمالكية (8)، والشافعية (9)، والحنابلة (10).
• مستند الإجماع:
1 -
قول اللَّه عز وجل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى
(1)"الاستذكار"(5/ 33).
(2)
"بداية المجتهد"(1/ 279).
(3)
"شرح مختصر الخرقي"(3/ 185).
(4)
"القواعد"(ص 275).
(5)
"مواهب الجليل"(3/ 361).
(6)
"نيل الأوطار"(7/ 155).
(7)
انظر: "المغني"(13/ 75)، و"الفروع"(6/ 227).
(8)
انظر: "الذخيرة"(3/ 444)، و"الكافي" لابن عبد البر (1/ 469).
(9)
انظر: "روضة الطالبين"(10/ 279)، و"مغني المحتاج"(4/ 237).
(10)
انظر: "البناية"(5/ 676)، و"شرح فتح القدير"(5/ 462).
يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 6]، وقال تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، وقال تعالى:{لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]، وقوله سبحانه:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} [الأنفال: 58].
• وجه الدلالة: حيث دلَّت الآيات الكريمة على وجوب الوفاء بالمواثيق والعهود على سبيل العموم، مع المسلمين أو غيرهم، وتحريم الخيانة فيها، وأن على الإمام أو من يقوم مقامه المحافظة على المستأمن في ماله ونفسه حتى يبلغه مأمنه.
2 -
وعن أبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لكل غادرٍ لواء يوم القيامة، يُرفع له بقدر غدرته، ألا ولا غادِرَ أعظمُ غدرًا من أمير عامّةٍ"(1).
3 -
وعن عبد اللَّه بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قتلَ مُعاهدًا لم يرحْ رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عامًا"(2).
4 -
وعن أبي بكرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من قتل مُعاهدًا في غير كُنهه (3)، حرَّم اللَّه عليه الجنة"(4).
(1) أخرجه مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر (5/ 124، برقم 4636).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من قتل معاهدًا بغير جُرمٍ (3/ 1155، برقم 2995).
(3)
قوله: "من قتل معاهدًا من غير كُنْهه"؛ معناه: في غير وجهه ووقته. وفي معنى آخر: كنه الشيء: غايته. "النهاية"(4/ 206).
(4)
أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب الجهاد، باب في الوفاء للمعاهد وحرمة ذِمته (3/ 83، رقم 2760)، وأحمد في "مسنده" (5/ 36). وقوله:"معاهدًا": المراد به من له عهد مع المسلمين، سواء كان بعقد جزية، أو هدنة من سلطان، أو أمان من مسلم. وقوله:"حرم اللَّه عليه الجنة" قال ابن خزيمة: معنى هذه الأخبار إنما هو على أحد معنيين: أحدهما: لا يدخل الجنة، أي: بعض الجنان، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم أنها جنان في جنة. والمعنى الثاني: أن كل وعيد في الكتاب والسنة لأهل التوحيد، فإنما هو على شريطة، أي: إلا أن يشاء اللَّه أن يغفر ويصفح ويتكرم ويتفضل.
وقال الحافظ ابن حجر: المراد بهذا النفي -وإن كان عامًّا- التخصيص بزمان ما، لما تعاضدت الأدلة العقلية والنقلية، أن من مات مسلمًا ولو كان من أهل الكبائر، فهو محكوم بإسلامه غير مخلد في النار، ومآله إلى الجنة، ولو عُذب قبل ذلك. حاصل هذا أن قتل الذمي في حكم الآخرة كقتل المسلم، وقد قال تعالى في الثاني:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93]، فكذلك قتل الذمي، وليس كفره يبيح قتله أو تخفيف وزره بعد أن دخل في العهد، واللَّه تعالى أعلم. انظر:"التوحيد" لابن خزيمة =