الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
وأما المجوس العرب فالإجماع غير متحقق على مشروعية أخذ الجزية منهم، كما مضى في أهل الكتاب، واللَّه تعالى أعلم.
[135/ 6] عدم أخذ الجزية من مشركي العرب:
• المراد بالمسألة: أن الجزية لا تُعقد للمشركين من العرب، ولكن يدعون إلى الإسلام، فإن أسلموا وإلا قوتلوا، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن جرير الطَّبريُّ (310 هـ) حيث يقول: (أجمعوا على أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبي أخذ الجزية من عبدة الأوثان من العرب، ولم يقبل منهم إِلَّا الإسلام أو السَّيف)(1).
وابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (لم يختلف مسلمان في أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يقبل من الوثنيين من العرب إلا الإسلام أو السيف إلى أن مات صلى الله عليه وسلم، فهو إكراه في الدين)(2).
والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (اتفق الأئمة على أن الجزية تضرب على أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، وعلى المجوس، فلا تؤخذ من عبدة الأوثان مطلقًا)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4)، وقول عند المالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7)، وأبو ثور، وداود، وجماعة من أهل العلم سواهم (8).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].
فهذا عموم خُص منه أهل الكتاب بالذمة، بقوله سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا
(1)"اختلاف الفقهاء" للطبري (ص 200).
(2)
"المحلى"(11/ 196).
(3)
"رحمة الأمة"(ص 304).
(4)
انظر: "بدائع الصنائع"(7/ 164)، و"فتح القدير"(6/ 45).
(5)
انظر: "الاستذكار"(9/ 294)، و"الذخيرة"(3/ 451).
(6)
انظر: "البيان"(12/ 250)، و"مغني المحتاج"(4/ 243).
(7)
انظر: "المغني"(13/ 31)، و"المبدع"(3/ 404).
(8)
وانظر في مذهب أبي ثور، وداود، وغيرهم:"الاستذكار"(9/ 294)، و"فتح الباري"(6/ 259)، و"بداية المجتهد"(2/ 476)، و"المحلى"(7/ 345).
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29]، فهذه الآية تقضي بجواز أخذ الجزية من أهل الكتاب خاصة، وأما ما عداهم من الكفار فيبقى على العموم (1).
2 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلَّا اللَّه، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. . . " الحديث (2).
• وجه الدلالة: أن الحديث عام في قتال جميع الكفار، وعدم قبول الجزية منهم، ولم يُخصَّص من هذا العموم إلا أهل الكتاب والمجوس، فمن عداهم من الكفار يبقى على العموم، فلا تقبل الجزية من عبدة الأوثان سواء أكانوا عربًا أم عجمًا. ولأن المشركين من عبدة الأوثان لم يكن عندهم سابقة من التوحيد والنبوة وشريعة فلا حرمة لمعتقدهم.
3 -
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الجزية من مشركي العرب (3).
4 -
وما روي عن الزهري: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح عبدة الأوثان على الجزية إلا من كان منهم من العرب"(4).
5 -
واستدلوا من المعقول: بأن كفرهم قد تغلظ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم، فالمعجزة في حقهم أظهر، لأنهم كانوا أعرف بمعانيه ووجوه الفصاحة فيه. وكل من تغلظ كفره لا يقبل منه إلا الإسلام، أو السيف لقوله تعالى:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [الفتح: 16] أي: تقاتلونهم إلى أن يسلموا.
• الخلاف في المسألة: وذهب مالك في قول: وهو الراجح عند المالكية (5) -
(1) انظر: "المغني"(13/ 209).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة)(1/ 17، برقم 25).
(3)
"مجموع الفتاوى"(19/ 19).
(4)
"مصنف عبد الرزاق"(10/ 326)، وقال ابن عبد البر:(ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث بهذا اللفظ عن ابن شهاب إلا معمرًا وقد جعلوه وهمًا منه)"الاستذكار"(3/ 240).
(5)
انظر: "مواهب الجليل"(3/ 381)، و"جواهر الإكليل"(1/ 266).
والأوزاعي (1) إلى أن الجزية تقبل من جميع الكفار، ومنهم المشركون وعبدة الأوثان، سواء أكانوا من العرب، أم من العجم، وسواء أكانوا قرشيين أم غير قرشيين.
وصححه ابن العربي، وإليه ذهب ابن القيم، والشوكاني، والصنعاني (2).
• واستدلوا لذلك بما يلي:
1 -
بحديث بريدة قال: "كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصة نفسه بتقوى اللَّه. . . وقال: "اغزوا بايم اللَّه، وإذا لقيت عدوك من المشركين، فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم" (3).
وذكر من هذه الخصال الجزية؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: "عدوك من المشركين"، قال القاضي عياض:(فيه حجة لمالك وأصحابه في أخذ الجزية من كل كافر، عربيا كان أو غيره، كتابيا أو غيره)(4).
2 -
واستدلوا لقبول الجزية من عبدة الأوثان بالقياس على المجوس، بجامع أن كلًّا منهما ليس له كتاب منزَّل (5). بل إن كفر المجوس أغلظ من عبادة الأصنام، فكيف يجعل المجوس الذين دينهم أقبح الأديان أحسن حالًا من مشركي العرب، فتُقبل منهم الجزية دون مشركي العرب (6).
ونقل عن مالك أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا مشركي قريش.
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق على عدم أخذ الجزية من مشركي العرب، لوجود المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
(1) انظر: "مختصر اختلاف الفقهاء"(3/ 484)، و"فتح الباري"(6/ 299).
(2)
انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (2/ 477)، و"أحكام أهل الذمة"(1/ 89)، و"السيل الجرار"(4/ 540)، و"سبل السلام"(7/ 210).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
إكمال المعلم (6/ 34).
(5)
وهذا القياس مبني على أن المجوس ليسوا أهل كتاب، وهو قول الجمهور من العلماء. انظر:"الأموال" لأبي عبيد (ص 39)، و"شرح السنة"(11/ 170)، و"المغني"(205/ 13)، و"روضة الطالبين"(10/ 304)، و"الفصل"(1/ 198)، وذهب الشافعي، وابن حزم ونُسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنهم أهل كتاب. انظر:"أحكام القرآن" للشافعي (2/ 52)، و"المحلى"(5/ 414).
(6)
انظر: "زاد المعاد"(5/ 82).