الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأهل الذمة من باب أولى، ولهذا لم يشترط الفقهاء في العاقد أن يكون مسلمًا، بل أن يكون جائز التصرف (1).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على جواز تعامل أهل الذمة فيما بينهم، وفيما بينهم وبين المسلمين؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[242/ 24] جواز بيع السلاح ورهنه للذمي:
• المراد بالمسألة: بيان أن التعامل بالبيع والشراء والرهن بالسلاح مع أهل الذمة مباح، ما داموا مأمونين الجانب، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن حجر (852 هـ) حيث يقول: (وإنما يجوز بيعه ورهنه عند من تكون له ذمة، أو عهد باتفاق)(2).
والشوكاني (1250 هـ) حيث يقول: (وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب بالاتفاق)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)، والحنابلة (7).
• مستند الإجماع:
1 -
لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
• وجه الدلالة: أن الآية دالة بعمومها على جواز التعامل مع أهل الذمة وغيرهم بالبيع، فلا يحرم من ذلك شيء إلا ما دلَّ عليه دليل صحيح. فإذا جاز بيع السلاح لأهل الذمة بمقتضى عموم الآية الكريمة، فكذلك الرهن؛ لأن ما جاز بيعه جاز رهنه (8).
2 -
عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه
(1) انظر: "بدائع الصنائع"(5/ 135)، و"القوانين الفقهية"(ص 772)، و"الوجيز"(1/ 133)، و"الإنصاف"(4/ 267).
(2)
"فتح الباري"(5/ 179).
(3)
"نيل الأوطار"(5/ 278).
(4)
انظر: "الاختيار لتعليل المختار"(4/ 130).
(5)
انظر: "مواهب الجليل"(4/ 254)، و"جواهر الإكليل"(2/ 3).
(6)
انظر: "تكملة المجموع"(12/ 349) و"روضة الطالبين"(4/ 390).
(7)
انظر: "المبدع"(3/ 382).
(8)
انظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص 707).
درعه" (1).
• وجه الدلالة: أن الدرع من الأسلحة الدفاعية، فرهن النبي صلى الله عليه وسلم له لليهودي دليل على جواز رهن السلاح لأهل الذمة.
3 -
وعن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "من لكعب بن الأشرف؟ فإنه آذى اللَّه ورسوله". فقال محمد بن مسلمة: أنا، فأتاه، فقال:"أردنا أن تسلفنا وسقًا (2) أو وسقين" فقال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم، قالوا: كيف نرهن أبناءنا فَيُسَبُّ أحدهم، فيقال: رهن بوسق أو وسقين؟ هذا عار علينا، ولكنا نرهنك الَّلأْمة (3)، فوعده أن يأتيه، فقتلوه ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه" (4).
• وجه الدلالة: أن رهن السلاح كان معتادًا عندهم لأهل العهد، ولو لم يكن كذلك لما عرضوا عليه رهن السلاح، ولو لم تجر العادة برهنه لاستراب منهم، وفاتهم ما أرادوا من قتله (5).
4 -
ولأن القاعدة في التعامل مع أهل الذمة أنه "تجري على الذمي أحكام المسلمين، إلا ما يستثنى من ذلك"(6)، فكما يجوز بيع السلاح ورهنه للمسلم، فيجوز ذلك لأهل الذمة؛ لأنهم في أيدي المسلمين، وتحت قهرهم وسلطانهم (7).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على جواز بيع السلاح ورهنه للذمي، ما داموا مأمونين الجانب؛ لعدم اطلاعي على المخالف، ولأن الفقهاء إنما نصوا على المنع من ذلك مع الكافر الحربي، ولأهل الفتنة، ولمن عُلم أنه سيقتل به مسلمًا، فما عدا هذه الحالات فالأمر باقٍ على الإباحة، واللَّه تعالى أعلم.
(1) أخرجه البخاري، كتاب السلم، باب الرهن في السلم (2/ 784، برقم 2134).
(2)
الوسق: وحدة كيل، وهو ستون صاعًا بالصاع النبوي. انظر:"المصباح المنير"(ص 660)، مادة (وسق).
(3)
بتشديد اللام وسكون الهمزة قال سفيان: يعني السلاح، وقال غيره: اللأمة الدرع، فعلى هذا إطلاق السلاح عليها من باب إطلاق اسم الكل على البعض، انظر:"فتح الباري"(7/ 430)، و"لسان العرب"(13/ 530)، مادة (لأم).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الرهن، باب رهن السلاح (2/ 887، برقم 2375).
(5)
"فتح الباري"(5/ 179).
(6)
انظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص 254).
(7)
انظر: "المجموع"(9/ 335).