الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
ولأنه لما جاز قتل النفوس -وهي أعظم حرمة من هذه الأشجار- لكسر شوكتهم، فما دونه من قطع الأشجار من باب أولى (1).
• الخلاف في المسألة: خالف الأوزاعي وأبو ثور والليث، فقالوا بكراهية التقطيع والتخريب للأشجار.
قال ابن حجر: (وقد ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو، وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور، واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك)(2)(3).
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على مشروعية أعمال الإتلاف والتخريب لأشجار الأعداء وزروعهم إذا دعت الحاجة لذلك، ولم يكن طريق للظفر بهم إلا بذلك، وأما القول بالكراهية فإنه لا يقدح في الإجماع، لأن كراهة التنزيه لا تنافي الإباحة كما قرر ذلك العلماء (4)، واللَّه تعالى أعلم.
[35/ 14] إتلاف حيوان العدو الذي يتقوون به في قتال المسلمين حال الحرب:
• المراد بالمسألة: في حال الحرب يجوز قتل المشركين بأي طريقة ممكنة (5) خلاف الحال إذا قدر عليهم أسرًا أو غلبة، ومن ذلك أنه يجوز قتل دوابهم التي يقاتلون عليها حال الحرب كالخيل ونحوها دون التي تؤكل كالماشية ونحوها؛ إذ به يتوصل إلى هزيمتهم بل وإلى قتلهم، وقد نقل الإجماع على جواز قتل ذلك.
(1) انظر: "السير الكبير"(1/ 43).
(2)
أجاب الجمهور: أن ما ورد في وصية أبي بكر الصديق ليزيد وفيها: (وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة ولا صبيًّا ولا كبيرًا هرمًا، ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن) أخرجها مالك في "الموطأ"(2/ 447)، فإنه محمول على قطع وإتلاف ما لا ضرر فيه على المسلمين من الأشجار، ولم يتعيَّن طريقٌ للظفر بهم، فإنه من التخريب والإفساد المنهي عنه، ولهذا جاء في رواية الكرخي لوصية علي رضي الله عنه لأمراء السرايا قوله:(إلا شجرًا يضركم). انظر: "شرح السير الكبير"(1/ 43).
(3)
"فتح الباري"(6/ 155)، وممن نقل الخلاف ابن عبد البر في "الاستذكار"(5/ 31)، وابن رشد في "بداية المجتهد"(1/ 386).
(4)
انظر: "فتح الباري"(4/ 150)، و"عمدة القاري"(12/ 169)، و"نيل الأوطار"(6/ 122).
(5)
انظر: "بداية المجتهد"(1/ 477).
• من نقل الإجماع: ابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأما حال الحرب فيجوز فيها قتل المشركين كيف أمكن بخلاف حالهم إذا قدر عليهم، ولهذا جاز قتل النساء والصبيان في البَيَات (1) وفي المطمورة (2)، وإذا لم يتعمد قتلهم منفردين، بخلاف حالة القدرة عليهم، وقتل بهائمهم يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم. . وليس في هذا خلاف) (3).
وابن مفلح (793 هـ) حيث يقول: (أما عقر دوابهم لغير الأكل، فلا يخلو إما أن يكون في الحرب، أو في غيرها، فإن كان في الأول، فلا خلاف في جوازه)(4).
والمرداوي (885 هـ) حيث يقول: (يجوز قتل ما قاتلوا عليه في تلك الحال وجزم به المصنف والشارح وقالا: لأنه يتوصل به إلى قتلهم وهزيمتهم، وقالا: ليس في هذا خلاف وهو كما قال)(5).
• الموافقون للإجماع: اتفقت المذاهب الفقهية من الحنفية (6) والمالكية (7) والشافعية (8) والحنابلة (9) والظاهرية (10).
• مستند الإجماع:
1 -
جاء في حديث عوف بن مالك رضي الله عنه في قصة المددي (11) مع
(1) بَثَّتَ العدوَّ: إذا أَوْقَعَ بِهِم ليلًا والاسم منه البَيَاتُ، "مختار الصحاح"(ص 52)، مادة (بَيَت).
(2)
المطمورة: الحفيرة تحت الأرض، وأصلها: حفرة يطمر فيها الطعام أي يخبأ. قال ابن دريد: (بَنى فلانٌ مطمورة، إذا بنى دارًا في الأرض أو بيتًا) وهي أشبه بالملاجئ والمخابئ. انظر: "مختار الصحاح"(ص 210)، و"القاموس المحيط"(ص 398)، و"جمهرة اللغة"(2/ 374)، مادة (طمر).
(3)
"المغني"(13/ 144).
(4)
"المبدع شرح المقنع"(4/ 319).
(5)
"الإنصاف" للمرداوي (4/ 127)، وانظر:"الشرح الكبير" لأبي الفرج ابن قدامة (5/ 508)، ومراده بالمصنف موفق الدين أبو محمد بن قدامة (620 هـ) صاحب "المغني"، وأما الشارح فهو شمس الدين أبو الفرج بن قدامة (682 هـ) صاحب "الشرح الكبير".
(6)
انظر: "شرح السير الكبير"(4/ 198)، و"بدائع الصنائع"(7/ 102).
(7)
انظر: "المدونة"(1/ 524)، و"البيان والتحصيل"(3/ 45).
(8)
انظر: "البيان"(12/ 137)، و"نهاية المحتاج"(8/ 67).
(9)
انظر: "المبدع شرح المقنع"(4/ 319).
(10)
انظر: "المحلى"(7/ 294).
(11)
المددي: من المدد وهم الذين جاؤوا يمدون جيش مؤته ويساعدونهم، وهو هنا رجل من حمير. انظر:"شرح صحيح مسلم" للنووي (12/ 66).