الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كبيرًا أو امرأة أو صبيًّا، لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم (1).
[51/ 30] جواز اقتحام المهالك في الحرب، إذا كان فيه نكاية للعدو، أو مصلحة للمسلمين:
• المراد بالمسألة: هو قيام المجاهد باقتحام صفوف العدو، أو الدخول إلى مواقعه، والمفاداة بنفسه لتحقيق نكاية بعدو أو مصلحة للمسلمين. والذي يميز هذه الصورة عن غيرها من أعمال الجهاد هو وجود قدر زائد من المخاطرة، بحيث يغلب على الظن أن المجاهد سيُقتل بسببها، نظرًا لعدم تكافؤ القوى في الظاهر، لكن هذا ليس على سبيل القطع؛ إذ احتمال نجاته قائم بنسبة ما، وقد نُقل الإجماع على جواز هذه الصورة.
• من نقل الإجماع: الغزالي (435 هـ) حيث يقول: (لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار فيقاتل وإن علم أنه سيقتل. . . ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار، كالأعمى يطرح نفسه على الصف أو العاجز، فذلك حرام، وداخل تحت عموم آية التهلكة، وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه لا يقتَلُ حتى يَقْتُلَ، أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جرأته، واعتقادهم في سائر المسلمين قلة المبالاة، وحبهم للشهادة في سبيل اللَّه، فتكسر بذلك شوكتهم)(2).
وابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (والرجل ينهزم أصحابه، فيقاتل وحده، أو هو وطائفة معه العدو، وفي ذلك نكاية في العدو، ولكن يظنون أنهم يمتلون، فهذا كله جائز عند عامة علماء الإسلام من أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، وليس في ذلك إلا خلاف شاذ. وأما الأئمة المتبوعون كالشافعي وأحمد وغيرهما؛ فقد نصوا على جواز ذلك، وكذلك هو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما)(3).
وابن حجر العسقلاني نقلًا عن المهلَّب قوله: (وقد أجمعوا على جواز تقحم المهالك في الجهاد)(4).
(1) انظر: "شرح منتهى الإرادات"(2/ 97).
(2)
"إحياء علوم الدين"(2/ 319).
(3)
"قاعدة في الانغماس في العدو، وهل يباح"(ص 24) ونحوه في "مجموع الفتاوى"(28/ 540).
(4)
"فتح الباري"(12/ 316).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
• مستند الإجماع:
1 -
قول اللَّه تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)} [البقرة: 207].
جاء في سبب نزول الآية: عن سعيد بن المسيب قال: "أقبل صهيب مهاجرًا نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته، ثم قال يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلًا، وايم اللَّه لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي. قالوا: نعم. فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ربح البيع، ربح البيع. ونزلت الآية" (5).
2 -
وعن أسلم أبي عمران قال: كنا بمدينة الروم فأخرجوا لنا صفًا عظيمًا من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثله، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فضالة ابن عبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم، فصاح الناس وقالوا: سبحان اللَّه يلقي بيده إلى التهلكة، فقام أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال:"أيها الناس: إنكم لتؤولون هذا التأويل، وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما أعز اللَّه الإسلام وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سرًّا دون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن أموالنا قد ضاعت وإن اللَّه قد أعز الإسلام وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل اللَّه تعالى على نبيه يرد علينا ما قلنا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو"، فما زال أبو أيوب شاخصًا حتى دفن بأرض الروم (6).
(1) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 328)، و"حاشية ابن عابدين"(4/ 127).
(2)
انظر: "الذخيرة"(3/ 410)، و"التاج والإكليل"(3/ 307)، و"حاشية الدسوقي"(2/ 178).
(3)
انظر: "الأم"(4/ 92)، و"شرح مسلم" للنووي (13/ 46).
(4)
انظر: " كشاف القناع"(3/ 70)، و"الإنصاف"(4/ 125).
(5)
أخرجه الحاكم (3/ 450)، وقال: صحح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(6)
أخرجه أبو داود في "سننه"، كتاب "الجهاد"(3/ 27 برقم 2512)، والترمذي، كتاب "تفسير القرآن" (4/ 280 برقم 2972) وقال: حديث حسن صحح غريب، والحاكم (2/ 275) وصححه، وصححه الألباني =
3 -
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أُفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهِقوه قال: "من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة؟ " فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثم رهِقوه أيضًا، فقال: "من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة؟ " فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لصاحبه: "ما أنصفْنا أصحابَنا" (1).
• وجه الاستدلال: دل الحديث على أن قيام الرجل الواحد من الصحابة لرد الجماعة من المشركين يعد من قبيل الاقتحام المظنون فيه الهلاك، بدليل أن الأنصار السبعة قضوا نحبهم الواحد بعد الآخر، وكان فعلهم هذا بأمره صلى الله عليه وسلم، مع تنويهه صلى الله عليه وسلم بفضله والثواب المترتب عليه.
4 -
حادثة البراء بن مالك رضي الله عنه في حرب المرتدين من أهل اليمامة، عن محمد ابن سيرين:"أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين، فجلس البراء بن مالك رضي الله عنه على ترس فقال: ارفعوني برماحكم فألقوني إليهم، فرفعوه برماحهم فألقوه من وراء الحائط، فأدركوه قد قتل منهم عشرة"(2).
• وجه الاستدلال: في فعل البراء دليل على جواز حمل الواحد على جماعة من الأعداء، وأنه لا يكون ملقيًا نفسه في التهلكة، لأنه يسعى في إعزاز الدين، ويتعرض للشهادة (3).
• الخلاف في المسألة: وخالف بعض العلماء في هذه المسألة على قولين آخرين:
• القول الأول: ذهب بعض المالكية إلى جواز اقتحام المجاهد صف الكفار وحده، طلبًا للشهادة، ولو لم يكن في فعله نكاية بالعدو (4).
• وحجتهم: عموم حادثة أبي أيوب في القسطنطينية المتقدمة، ولأن التغرير بالنفوس جائز في الجهاد إذا قصد به الشهادة.
• القول الثاني: عدم جواز اقتحام المجاهد صف الكفار وحده مطلقًا، ولو كان في
= في "صحيح سنن أبي داود"(2/ 100).
(1)
أخرجه مسلم، كتاب "الجهاد والسير"، باب غزوة أحد (5/ 178، برقم 4742).
(2)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 44)، وانظر:"الإصابة"(1/ 280).
(3)
انظر: "شرح السير الكبير"(1/ 163).
(4)
انظر: "الذخيرة"(3/ 410).