الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] ولم يستثن قتلًا من قتل. وأما الخصوص فما ثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في رجل: "إن قدرتم عليه فاقتلوه ولا تحرقوه بالنار، فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار"(1).
وقال الشوكاني: (وقد اختلف السلف في التحريق، فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقًا، سواء كان في سبب كفر أو في حال مقاتلة أو في قصاص، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما. قال المهلب: ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع)(2).
وحجة من أجاز تحريق العدو: فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم. فقد سَمَل النبي صلى الله عليه وسلم أعين العرنيين بالحديد (3)، وحرَّق أبو بكر رضي الله عنه بالنار في حضرة الصحابة، وحرَّق خالد بن الوليد رضي الله عنه أناسًا من أهل الردة، وكذلك حرَّق علي رضي الله عنه (4).
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق على النهي عن تحريق الكفار في حال القدرة عليهم، لوقوع الخلاف في عهد الصحابة رضي الله عنه، واللَّه تعالى أعلم.
[37/ 16] مسألة التترس: (حكم رمي العدو المتترسين بالمسلمين حال الضرورة):
• تعريف التترُس: التترس في اللغة: مصدر للفعل تترَّس، ، والتُّرس: سلاح معروف. يُقال: تَتَرَّسَ بالشيء: جعله كالتُّرس وتستَّر وتوفَّى به (5).
• والتترس في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن معناه في اللغة، ومن الألفاظ ذات الصلة بالتترس، والتي تلتقي معه في المعنى (التحصُّن) و (الاختلاط بغير المقاتلين). ويطلق على هذه المعاني اليوم: الاحتماء بالمدنيين في الحرب واتخاذهم دروعًا بشرية (6).
• المراد بالمسألة: قد يلجأ الأعداء حين التحام الحرب مع المسلمين إلى التترس والتحصُّن بمن عندهم من أسرى المسلمين، فإذا خيف على المسلمين الضرر إذا لم
(1)"بداية المجتهد"(1/ 385).
(2)
"نيل الأوطار"(8/ 58).
(3)
أخرج خبرهم البخاري، كتاب "المغازي"، باب قصة عكل وعرينة (4/ 135، برقم 3956).
(4)
انظر: "البداية والنهاية"(6/ 319)، و"فتح الباري"(6/ 150)، و"نيل الأوطار"(7/ 283).
(5)
انظر: "لسان العرب"(6/ 32)، مادة:(ترس).
(6)
انظر: "قضايا فقهية في العلاقات الدولية حال الحرب"(ص 313).
يُقاتلوا، أو اضطروا لذلك (1)، فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم.
• وذلك بشرط: أن يتحاشَوا رمي الترس ما أمكنهم، وأن يقصدوا برميهم إصابة الكفار وقتلهم دون الأتراس من المسلمين، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: القرطبي (671 هـ) حيث يقول: (قد يجوز قتل الترس، ولا يكون فيه اختلاف إن شاء اللَّه، وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية. فمعنى كونها ضرورية: أنها لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس. ومعنى أنها كلية: أنها قاطعة لكل الأمة، حتى يحصل من قتل الترس مصلحة كل المسلمين، فإن لم يفعل قتل الكفار الترس واستولوا على كل الأمة. ومعنى كونها قطعية: أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعًا. قال علماؤنا: وهذه المصلحة بهذه القيود لا ينبغي أن يختلف في اعتبارها" (2).
وشيخ الإسلام ابن تيمية (728 هـ) حيث يقول: (وقد اتفق العلماء على أن جيش الكفار إذا تترسوا بمن عندهم من أسرى المسلمين، وخيف على المسلمين الضرر إذا لم يقاتلوا، فإنهم يقاتلون، وإن أفضى ذلك إلى قتل المسلمين الذين تترسوا بهم)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (4)، والمالكية (5)، والشافعية (6)،
(1) ومن الأمثلة على الضرورة ما يأتي:
1 -
أن يترتب على الكف عن رمي الترس هزيمة جيش المسلمين.
2 -
حال الالتحام مع العدو حيث لا يمكن توقي الترس.
3 -
أن يفضي الكف عنهم إلى الإحاطة بالمسلمين، أو كثرة النكاية بهم.
4 -
أن يؤدي الكف عنهم إلى قتل جميع المسلمين، أو أكثر المسلمين.
5 -
أن يستبيح العدو أرض المسلمين ويدخل ديارهم، وهو ما يعرف بجهاد الدفع.
انظر: "الجهاد والقتال في السياسة الشرعية"(ص 1330).
(2)
"الجامع لأحكام القرآن"(16/ 287).
(3)
"مجموع الفتاوى"(28/ 546)، وقال:(وهؤلاء المسلمون -أي المتترس بهم- إذا قتلوا كانوا شهداء، ولا يترك الجهاد الواجب لأجل من يقتل شهيدًا).
(4)
انظر: "المبسوط"(10/ 64)، و"تحفة الفقهاء"(3/ 295)، و"بدائع الصنائع"(7/ 100).
(5)
انظر: "بداية المجتهد"(1/ 385)، و"الشرح الكبير"(2/ 178).
(6)
انظر: "الأم"(4/ 287)، و"روضة الطالبين"(10/ 246).