الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (1)، والمالكية (2)، والشافعية (3)، والحنابلة (4).
• مستند الإجماع: "أن عمر كتب إلى أبي عبيدة رضي الله عنهما: أن يجلد من شرب الخمر ثمانين، وهو بالشام، وهي من الثغور، بإزاء العدو"(5).
• وجه الدلالة: أن هذا الأثر من الخليفة الراشد الفاروق دليل صريح على وجوب إقامة الحدود في الثغور.
ولأن الثغور من بلاد الإِسلام، والحاجة داعية إلى زجر مرتكب موجب الحد من أهلها، كالحاجة إلى زجر غيرهم من أهل بقية بلاد الإِسلام.
النتيجة:
أن الإجماع متحقق على وجوب إقامة الحدود في الثغور؛ لعدم المخالف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[66/ 45] تحريم الفرار من المعركة:
• المراد بالمسألة: إذا التقى جيش المسلمين مع جيش الكافرين، وكان الكفار مثلي المسلمين فأقل فإنه لا يجوز الفرار منهم، ولا التولي عنهم، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: أبو جعفر الطبري (310 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن الطائفة من المسلمين، أو الجيش منهم، إذا لقوا عدوًّا مثلهم أو أكثر منهم، وكان المسلمون مستعلين على المشركين: أن حرام عليهم أن يولوا عنهم)(6).
وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على أنه إذا التقى الزحفان وجب على المسلمين الحاضرين الثبات وحرم عليهم الانصراف والفرار إذ قد تعين عليهم، إلا أن يكون مُتَحرِّفا لقتال أو متحيزًا إلى فئة، أو يكون الواحد مع ثلاثة أو المائة مع ثلثمائة؛ فإنه أبيح لهم الفرار، ولهم الثبات لا سيما مع غلبة ظنهم بالظهور)(7)، وبمثل ألفاظه
(1) انظر: "الهداية"(2/ 390)، و"بدائع الصنائع"(9/ 250).
(2)
انظر: "التاج والإكليل"(4/ 551)، و"حاشية الخرشي"(4/ 32).
(3)
انظر: "الأم"(7/ 583).
(4)
انظر: "الكافي" لابن قدامة (4/ 133)، و"المبدع"(9/ 59).
(5)
أخرجه البيهقي في "السنن الصغرى"(8/ 61).
(6)
"اختلاف الفقهاء"(ص 21).
(7)
"الإفصاح"(2/ 300).
حكاه الدمشقي في "رحمة الأمة"(1).
وابن رشد (595 هـ) حيث يقول: (وأما معرفة العدد الذين لا يجوز الفرار عنهم فهم الضِّعْف وذلك مجمع عليه)(2).
وابن المناصف (620 هـ) حيث يقول: (فاتفق أهل العلم، ومن يعتد برأيهم، على أن الثبوت إذا كان المشركون ضعف المسلمين فأقل: واجب، والفرار عنهم حرام، أو معصية، وكبيرة من جملة الكبائر)(3).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الشافعية (4)، والحنابلة (5).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)} [الأنفال: 15]، وقوله جل ذكره:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} [الأنفال: 66].
• وجه الدلالة: حيث دلَّت الأولى على تحريم الفرار من الزحف، ثم قيَّدت الآية الثانية هذا التحريم إذا لم يكن العدو أكثر من الضِّعْف، أما إذا كان أكثر من الضعف فيجوز (6).
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات". قالوا: يا رسول اللَّه، وما هن؟ قال -فذكر منهن- "والتولي يوم الزحف"(7).
• وجه الدلالة: أن الحديث صريح في أن التولي والفرار عند التقاء الزحف كبيرة من كبائر الذنوب.
3 -
ومن الأثر ما جاء عن ابن عباس أنه قال: "إن فر رجل من رجلين فقد فر، وإن فر من ثلاثة فلم يفر"(8).
قال الجصاص: (يعني بقوله "فقد فر" الفرار من الزحف المراد بالآية)(9).
(1)"رحمة الأمة"(ص 292).
(2)
"بداية المجتهد"(1/ 287).
(3)
"الإنجاد في أبواب الجهاد"(ص 197).
(4)
انظر: "روضة الطالبين"(10/ 247)، و"نهاية المحتاج"(8/ 66).
(5)
انظر: "المغني"(13/ 186)، و"كشاف القناع"(3/ 40).
(6)
انظر: "روح المعاني"(9/ 182).
(7)
سبق تخريجه.
(8)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 76)، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/ 331): رجاله ثقات.
(9)
"أحكام القرآن" للجصاص (4/ 227).
• الخلاف في المسألة: وخالف بعض الفقهاء على أقوال منها:
• القول الأول: ويروى عن الحسن والضحاك ومقاتل أن تحريم الفرار خاص لأهل بدر دون غيرهم. واحتجوا بقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16]، فظنوا: أن ذلك إشارة إلى يوم بدر. ويرى جماهير أهل العلم أن ذلك إشارة إلى يوم الزحف (1).
• القول الثاني: ذهب الظاهرية إلى تحريم الفرار مطلقًا وإن أكثر الكفار. قال ابن حزم: (لا يحل للمسلم الفرار أمام المشركين، وإن كثروا، إلا أن ينوي التحيز إلى جماعة من المسلمين، إن رجا إدراك تلك الجماعة، قبل أن يلحقه الكفار، أو ينوي بانحرافه الكر لقتالهم، وإلا فهو عاص للَّه عز وجل (2).
واستند: إلى عموم آية النهي عن التولي عند الزحف، وإطلاق الوعيد كذلك على من ولَّى عمومًا، من أي عدد كان.
• القول الثالث: ذهب الحنفية وبعض المالكية إلى أن العبرة بقدرة المسلمين على مقاومة العدو، فإن كانت القدرة متوفرة لم يجز لهم الفرار، ولا الانحياز مهما بلغ عدد المسلمين من القلة، وعدد الكفار من الكثرة. وإن بلغ المسلمون اثني عشر ألفًا لم يجز لهم الفرار مهما بلغ عدد الكفرة (3).
• ومما استندوا إليه ما يأتي:
1 -
أن العبرة بالضعف الجائز الفرار منهم القوة لا العدد.
2 -
ما ورد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة"(4).
النتيجة:
1 - أن الإجماع متحقق على أن الثبوت إذا كان المشركون ضعف المسلمين فأقل: واجب، والفرار عنهم حرام، أو معصية، وكبيرة من جملة الكبائر.
وأما خلاف الحسن والضحاك فجوابه من وجهين:
(1) انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (2/ 387).
(2)
"المحلى"(7/ 292).
(3)
انظر: "بدائع الصنائع"(7/ 99)، و"القوانين الفقهية"(ص 165)، و"الشرح الكبير"(2/ 178).
(4)
أخرجه أبو داود في "السنن"(3/ 415، برقم 2611)، وأحمد في "المسند"(1/ 294)، وقال أبو حاتم الرازي كما في "العلل" لابنه (1/ 347):(مرسل أشبه لا يحتمل هذا الكلام أن يكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم).