الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"الإعلام" في الفن المذكور، فقال: ليس هذا قول من يعرف الناسخ والمنسوخ بأنه عليه السلام لم يقاتل قومًا إلا بعد أن دعاهم؛ لأنه لما شاعت الدعوة افتتح اتساعها ومرورها على أسماعهم مرارًا، فلما أصروا على الكفر صارت الإغارة عليهم على غرتهم من غير تحديد دعوة حينئذٍ) (1).
وتبع ابن شاهين في القول بنسخ الأحاديث الآمرة بالدعوة قبل القتال الحازمي (2).
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق في وجوب الدعوة قبل القتال لمن لم تبلغهم الدعوة، لوجود الخلاف، منه ما حكاه النووي والشوكاني والصنعاني من القول بعدم وجوب الدعوة مطلقًا، ، وكذا ما ذهب إليه ابن شاهين والحازمي من النسخ، فكلا القولين يقدح في انعقاد الإجماع، واللَّه تعالى أعلم.
[32/ 11] جواز حصار العدو وتجويعه:
• تعريف الحصار: الحصار في اللغة: مصدر حاصر، ومثله المحاصرة، أي: التضييق على الشخص والإحاطة به، والحصير في اللغة: المحبس. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8]، أي: محبسًا (3).
• وفي الاصطلاح: التضييق على العدو، والإحاطة به في بلد، أو قلعة، أو حصن، أو غيرها، ومنع الخروج والدخول حتى يستسلم (4).
ويعد الحصار أسلوبًا من أساليب القتال قديمًا وحديثًا، يلجأ له في حالة تحصُّن العدو في قلاعهم أو حصونهم أو مدنهم، والغاية من فرضه إرغام العدو على الإسلام أو الاستسلام.
• المراد بالمسألة: بيان أنه يجوز للإمام أو نائبه محاصرة الكفار في بلادهم، وفي الحصون والقلاع، وتشديد الأمر عليهم بالمنع من الدخول والخروج، والمنع من الماء والطعام للضغط عليهم حتى يستسلموا، وينقادوا لحكم الإسلام ما لم يكن معهم مسلمون، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
(1)"البدر المنير"(9/ 95).
(2)
انظر: "نصب الراية"(3/ 382).
(3)
انظر: "لسان العرب"(4/ 193)، مادة (حصر).
(4)
انظر: "روضة الطالبين"(10/ 244)، و"أسنى المطالب"(4/ 190).
• من نقل الإجماع: ابن حزم (456 هـ) حيث يقول: (واتفقوا أن حصار حصون المشركين، وقطع المير (1) عنها، وإن كان فيها أطفالهم ونساؤهم واجب، ما لم يكن هنالك أسرى مسلمون) (2).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية (5)، والحنابلة (6).
• مستند الإجماع:
1 -
قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5].
• وجه الدلالة: أن قوله تعالى: {وَاحْصُرُوهُمْ} قال ابن عباس: يريد إن تحصنوا فاحصروهم (7)، فهذا دليل واضح على مشروعية حصار الكفار وما يتضمن ذلك من منعهم من الخروج والدخول، وقطع الإمدادات عنهم.
2 -
وعن أنس بن مالك قال: "افتتحنا مكة ثم إنا غزونا حنينًا. . ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة"(8).
3 -
وعن عائشة رضي الله عنها "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حاصر بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة، فلما اشتد عليهم البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ"(9).
4 -
وعن ميمون بن مهران قال: "حاصر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أهل خيبر، ما بين عشرين
(1) المِيَر: بكسر الميم وفتح الياء جمع المِيرَة، بالكسر: وهو الطَّعام يَمْتَارُه الإنسان. والمِيرَة: جَلَبُ الطعام. انظر: "تاج العروس"(14/ 162)، مادة (مير).
(2)
"مراتب الإجماع"(ص 251).
(3)
انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (4/ 270)، و"شرح فتح القدير"(5/ 444).
(4)
انظر: "حاشية الدسوقي"(2/ 185)، و"الجامع لأحكام القرآن"(8/ 73).
(5)
انظر: "منهاج الطالبين"(1/ 137)، و"مغني المحتاج"(4/ 223).
(6)
انظر: "المغني"(13/ 180)، و"الكافي"(4/ 126).
(7)
انظر: "تفسير البغوي"(2/ 269)، و"التفسير الكبير"(15/ 180).
(8)
أخرجه مسلم، كتاب "الزكاة"، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوي إيمانه (3/ 107، برقم 2489).
(9)
أخرجه أبو عبيد في "الأموال"(ص 171)، والبيهقي في "دلائل النبوة"(4/ 15).