الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحنابلة (1).
واستدلوا بما رواه جابر رضي الله عنه: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول اللَّه، ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب، قال صلى الله عليه وسلم "وأنا واللَّه ما صليتها بعد" قال: فنزل إلى بطحان (2) فتوضأ وصلى العصر بعدما غابت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب"(3).
• وجه الدلالة من الحديث: أنها لو جازت الصلاة مع القتال لما أخرها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (4).
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق على عدم جواز تأخير الصلاة لأجل القتال، لوجود الخلاف المعتبر، واللَّه تعالى أعلم.
[55/ 34] مشروعية صلاة الخوف في الحرب:
• تعريف صلاة الخوف: صلاة الخوف هي: الصّلاة المكتوبة يحضر وقتها، والمسلمون في مقاتلة العدوِّ، أو في حراستهم (5).
• المراد بالمسألة: بيان أن للمسلم حال الحرب، حينما لا يتمكن من أداء الصلاة على الوجه التام، أن يصلي الصلاة وفق الصفة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الموطن، وقد نُقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: أبو العباس المنصوري (نحو 350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن للمرء أن يقصر إذا خاف من العدو) نقله عنه ابن القطان الفاسي (6).
والتميمي (350 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن من خاف من عسكر العدو أن يصلي صلاة الخوف، وإن اختلفوا في كيفية صلاته لذلك، إلا أبا يوسف فإنه قال في إحدى روايتين عنه: لا يجوز أن يصلي صلاة الخوف بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم)(7).
(1) انظر: "المستوعب"(2/ 418)، و"المبدع"(2/ 137).
(2)
بُطْحان بالضم ثم السكرن، وقيل: بَطِحان بفتح الأول وكسر الثاني، وقيل: بَطْحان بفتح الأول وسكون الثاني: وهو واد بالمدينة. انظر "معجم البلدان"(1/ 529).
(3)
أخرجه البخاري، كتاب "الخوف"، باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو (1/ 320، رقم 903).
(4)
"بدائع الصنائع"(1/ 559).
(5)
"كفاية الطالب الرباني"(1/ 134).
(6)
"الإقناع في مسائل الإجماع"(2/ 495).
(7)
"نوادر الفقهاء"(ص 38 - 39).
وابن هبيرة (560 هـ) حيث يقول: (واتفقوا على تأثير الخوف في كيفية الصلاة وصفتها دون ركعاتها بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] (1).
وابن قدامة (620 هـ) حيث يقول: (وأيضا فإن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على صلاة الخوف)(2).
والموصلي (683 هـ) حيث يقول: (أن الصحابة صلوها بطبرستان وهم متوافرون من غير نكير من أحد منهم فكان إجماعا)(3).
والدمشقي (780 هـ) حيث يقول: (وأجمعوا أن صلاة الخوف ثابتة الحكم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وحكي عن المزني أنه قال: هي منسوخة)(4).
وابن مفلح (884 هـ) حيث يقول: (وأجمع الصحابة على فعلها)(5).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: الحنفية (6)، والمالكية (7)، والشافعية (8)، والحنابلة (9)، والظاهرية (10).
• مستند الإجماع:
1 -
• ووجه الدلالة من الآية: أن صلاة الخوف ثابتة في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وما ثبت في حقه ثبت في حق أمته ما لم يقم دليل على اختصاصه به (11).
2 -
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها بأصحابه، فعن سهل بن أبي رضي الله عنه: "أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة ثم قام فلم
(1)"الإفصاح"(1/ 167).
(2)
"المغني"(3/ 297).
(3)
"الاختيار لتعليل المختار"(1/ 95).
(4)
"رحمة الأمة"(ص 56).
(5)
"المبدع"(2/ 126).
(6)
انظر: "البناية"(2/ 931).
(7)
انظر: "المنتقى"(1/ 322).
(8)
انظر: "المجموع"(4/ 404).
(9)
انظر: "المغني"(3/ 296).
(10)
انظر: "المحلى"(5/ 33).
(11)
انظر: "المبدع"(2/ 25)، و"كشاف القناع" (1/ 493). وانظر في تقرير هذه المسألة الأصولية:"البرهان"(1/ 367)، و"الكوكب المنير"(3/ 218).
يزل قائمًا حتى صلى الذين خلفهم ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم" (1).
3 -
وقال صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي"(2).
• وجه الدلالة: أن هذا عام في صلاة الخوف وغيرها، وقد أمر بالصلاة فلزم أتباعه.
4 -
إجماع الصحابة على فعلها بعد الرسول صلى الله عليه وسلم (3)، وقد نقل إجماع الصحابة غير واحد من العلماء. قال في "المبدع":(وأجمع الصحابة على فعلها)(4)، وقال في "الاختيار":(إن الصحابة صلوها بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكر أحد عليهم فكان إجماعًا)(5).
• الخلاف في المسألة: خالف في المسألة أبو يوسف في إحدى الروايتين عنه، وحُكي عن المزني صاحب الشافعي فقالوا: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم بإمام واحد، وإنما تصلى بعده بإمامين، يصلي واحد منهما بطائفة ركعتين، ثم يصلي الآخر بطائفة أخرى وهي الحارسة ركعتين أيضا، وتحرس التي قد صلت (6).
فذهب أبو يوسف إلى أن صلاة الخوف مختصة بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، واحتج بأمرين:
1 -
بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} ومفهوم الخطاب أنه إذا لم يكن فيهم، فالخكم غير هذا الحكم.
2 -
وبأن التغيير الذي يحدث في هذه الصلاة ينجبر بفعلها مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ لينال كل فريق منهم فضيلة الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم، وقد ارتفع هذا المعنى بعده (7).
وذهب المزني إلى القول بأن صلاة الخوف كانت مشروعة ثم نسخت.
(1) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع (4/ 1415، رقم 3902).
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة، والإقامة (1/ 226، برقم 605).
(3)
فقد صلاها علي رضي الله عنه يوم صفين، وصلاها أبو موسى الأشعري رضي الله عنه بأصبهان، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في حرب المجوس ومعه الحسن بن علي وحذيفة بن اليمان وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص، فصار فعلهم إجماعًا. انظر:"المصنف" لابن أبي شيبة (2/ 215)، و"فتح القدير"(2/ 99).
(4)
"المبدع"(2/ 25).
(5)
انظر: "الاختيار"(1/ 89)، و"بدائع الصنائع"(1/ 555)، و"المجموع"(4/ 289).
(6)
انظر: "بداية المجتهد"(1/ 141).
(7)
انظر: "بدائع الصنائع"(1/ 242)، و"العناية"(2/ 98)، و"المبسوط"(2/ 45).