الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
ولأن قسمتها بدار الحرب أنكى للأعداء، وأطيب لقلوب المجاهدين، وأحفظ للغنيمة، وأرفق بهم في التصرف لبلادهم (1).
• الخلاف في المسألة: وخالف الحنفية فقالوا بعدم جواز قسمة الغنائم بدار الحرب، وإن قسمت أساء قاسمها، ونفذت قسمته (2). ما عدا محمد بن الحسن فقال: تكره القسمة، والأفضل أن تقسم بدار الإِسلام (3).
• واستدلوا بما يأتي:
1 -
أن الملك للغانمين لا يثبت قبل الإحراز بدار الإِسلام.
2 -
حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب (4).
• وجه الدلالة: أن القسمة بمعنى البيع وهو لا يجوز في دار الحرب، فكذلك القسمة.
3 -
ولإمكان كرة العدو، فلم يتم الاستيلاء وهو إثبات اليد الحافظة للغنيمة، فلا تقسم إلا في مكان يأمنون فيه ويكون الاستنقاذ فيه ظاهر وهو دار الإِسلام.
4 -
أما مستندهم في نفاذ القسمة في دار الحرب إذا اجتهد في ذلك الإمام، فلأنها مسألة اجتهادية، فإذا حكم الإِمام فيها بما يوافق قول بعض المجتهدين، نفذ حكمه (5).
النتيجة:
1 - أن الإجماع غير متحقق في جواز قسمة الغنائم بدار الحرب إذا أمكن ذلك، لخلاف الحنفية المعتبر.
2 -
أن الإجماع متحقق على نفاذ القسمة إن حصلت بدار الحرب لاجتهاد الإِمام الموافق قول أحد المجتهدين، لعدم المخالف المعتبر في ذلك.
[81/ 11] قسمة الغنيمة بأعيانها:
• المراد بالمسألة: بيان أن الغنائم تقسم أعيانها على الغانمين، ولا تباع، فإن كانت
(1) انظر: "المغني"(13/ 107).
(2)
انظر: "تحفة الفقهاء"(3/ 298)، و"المبسوط"(10/ 32)، و"بدائع الصنائع"(7/ 121).
(3)
انظر: "مختصر الطحاوي"(ص 282).
(4)
ذكره الزيلعي في "نصب الراية"(3/ 408) وقال: غريب جدًّا، وذكره السرخسي في "المبسوط"(10/ 18).
(5)
انظر: "مختصر الطحاوي"(ص 282)، و"الهداية شرح بداية المبتدي"(2/ 434).
أجناسًا مختلفة، قوم كل شيء منها على حدته، ثم عدلت بالقيمة. وقد نقل الإجماع على ذلك.
• من نقل الإجماع: ابن حزم الظاهري (456 هـ) حيث يقول: (وتقسم الغنائم كما هي بالقيمة ولا تباع، لأنه لم يأت نص ببيعها. . . فصح أنه عليه السلام إنما قسم أعيان الغنيمة. . . وبهذا جاءت الآثار في حنين وبدر وغيرهما كقول علي. . . وكذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم يقول ابن عمر. . . وهو قول سعيد بن المسيب- وغيره. . . وجابر بن عبد اللَّه. . . ولا نعرف لهم مخالفًا من الصحابة أصلًا)(1).
• الموافقون للإجماع: وافق على ذلك: سعيد بن المسيب (2)، ورواية لمالك (3).
• مستند الإجماع: أنه كذلك روي في قسم الغنائم في مغازي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك جرى فعل الصحابة.
1 -
فقد ثبت عن رافع بن خديج قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فأصاب الناسَ جوعٌ فأصابوا إبلًا وغنمًا. قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم، فعجلوا فذبحوا ونصبوا القدور، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت، ثم قسم، فعدل عشرة من الغنم ببعير"(4).
2 -
وقال سعيد بن المسيب: "كان الناس في الغزو إذا اقتسموا غنائمهم يعدلون البعير بعشر شياه"(5).
3 -
وعن أبي سعيد الخدري قال: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن شراء المغانم حتى تقسم"(6).
(1)"المحلى"(7/ 341).
(2)
ونقل مذهب سعيد في قسم الأعيان دون البيع: ابن حزم في "المحلى"(7/ 342).
(3)
انظر: "المدونة"(1/ 503). واختارها أبو الوليد الباجي -من المالكية- في "المنتقى"(3/ 178).
(4)
أخرجه البخاري، كتاب الشركة، باب قسمة الغنم (2/ 881، برقم 2356).
(5)
أخرجه مالك في "الموطأ" في كتاب الجهاد، باب جامع النفل في الغزو (ص 287 رقم 455).
(6)
أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب السِّير، باب في كراهية بيع المغانم حتى تُقسم (4/ 133 برقم 1563) وقال: حديث غريب، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 338) وقال البيهقي عقبه:"وهذه المناهي وإن كانت في هذا الحديث بإسنادٍ غير قوله، فهي داخلة في بيع الغرر الذي نهى عنه في الحديث الثابت عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".
• وجه الدلالة: حيث دل الحديث على أنه لا بد من قسمة أعيان المغانم على الغزاة، بدليل أنه لا يجوز لأحدهم بيع حصته من الغنيمة حتى تقسم ويستلمها.
قال ابن القاسم (1): "ليس على هذا العمل، لكن تقسم الإبل على حدة، والغنم على حدة بالقيمة، وكذلك سائر العروض، يقسم كل جنس على حدته بالقيمة، ولا يقسم شيء منها بالسهم، ولا يجعل جزء من جنس بجزء من غيره، ذلك مكروه؛ لأنه لا يدري أين يقع سهمه"، فرأى ذلك من باب الغرر.
• الخلاف في المسألة: في المسألة ثلاثة أقوال جميعها مروية عن الإِمام مالك (2). فبالإضافة إلى القول المحكي الإجماع عليه هناك قولان آخران:
• القول الأول: أنها تباع، وتقسم الأثمان.
• وحجتهم: ووجه من ذهب إلى بيع الغنائم، وقسم أثمانها، هو فيما أرى -واللَّه أعلم- فرارًا من تعذر العدل في قسم الأعيان؛ لاختلافها، وما يتقى من عدم التعادل فيها.
• القول الثاني: أن ذلك مصروف إلى نظر الإِمام، فما رأى من ذلك أنه أفضل لأهل الجيش؛ فعله (3).
• وحجتهم: أن ذلك إنما يكون للإمام؛ لأن له تقدير الأفضل للجيش، فوكل أمر ذلك إليه. فإن رأى الإِمام قسم الأعيان ممكنًا التعادل فيه، وغير متخوف الغرر؛ لإمكان ذلك في الغنيمة الحاضرة: قسم الأعيان، وإن خشي ذلك في قسم الأعيان، لاختلافها وتشتت أموال الغنيمة، باعها وقسم الأثمان.
وهذا نظر سديد، ورأي رشيد، واللَّه أعلم.
النتيجة:
أن الإجماع غير متحقق على أن الغنائم تقسم عينًا ولا تباع، لوجود الخلاف المعتبر، والذي يظهر أنه راجع إلى نظر الإِمام وتقديره، واللَّه تعالى أعلم.
* * *
(1) انظر: "النوادر والزيادات"(3/ 194).
(2)
"المدونة"(1/ 503).
(3)
قال به مالك، ونقله ابن جزي عن أبي حنيفة. انظر:"المنتقى"(3/ 178)، و"القوانين الفقهية"(149).